حاتم بن حمد الطائي
“أتعهَّد بأن أقودَ بوَعْي”.. رسالة نصية قصيرة وصلتني عبر تطبيق “الواتساب”، مؤخراً، من أحد الأصدقاء، حول المرسوم السامي القاضي بإدخال تعديلات جديدة على قانون المرور؛ للمساهمة في الحدِّ من أعداد الحوادث المرورية؛ وبما يضمن الحفاظ على ثرواتنا البشرية.. واستبشرتُ خيرًا بالرِّسالة، من مُنطلق رهاني المستمر على وَعْي أبناء هذا الوطن الغالي، في أنْ تلقى التعديلات الجديدة قبولاً واسعاً، بعيداً عن النظرة السلبية التي يراها البعض من حجم الغرامات والعقوبات الجديدة.
فمَا بَيْن عقوبات بالسجن ثلاثة أشهر، وغرامات مالية تصل إلى خمسمائة ريال عماني، وحبس الممتنع عن الخضوع لاختبار الكشف عن الكحول أو المخدر مدة لا تقل عن شهر، وتغريم وحبس السائق الذي يقود مركبته بسرعة وتهور وللمتجاوزين من كتف الطريق دون مبرر…وغيرها، جاءت التعديلات الأخيرة بمثابة حَجَر يُحرِّك الماء في جهود شرطة عُمان السلطانية وحكومتنا الرشيدة نحو تعزيز السلامة المرورية على الطريق؛ إعلاءً للمصلحة الاجتماعية العليا المتمثلة في حفظ الأرواح والممتلكات من خلال أحكام مُلزِمة لكل قائد مركبة.
وفي رأيي، أنَّ استمرارَ المخالفات المرورية وتزايدها بصورة لافتة للنظر، يُشير إلى أنَّ المشكلة ليست دائماً في الأطر التنظيمية والتشريعية التي تحدِّد القواعد واللوائح المرورية، وإنما تكمُن بالأساس في الثقافة المرورية السائدة لدى كثير من أفراد المجتمع، والتي تجعل كثيرين منهم لا يُبالون بالقواعد المرورية، أو حتى بالغرامات المالية التي قد تُفرض على المخالفين منهم، إلى درجة أنَّ بعض هذه المخالفات قد تتحوَّل إلى سلوك لدى نسبة كبيرة من سائقي المركبات لا تنفصلُ عن سلوكهم اليومي في مُمارسة القيادة؛ وهو ما يؤدِّي بدوره إلى تزايد الحوادث المرورية، وما يترتب عليها من كُلفة اقتصادية واجتماعية باهظة، تشمل تأثيرها جميع أفراد المجتمع.
ومن هُنا؛ فإنَّ جهودَ تغيير الثقافة المرورية لدى سائقي المركبات باتت اليوم مَطْلبا ملحًّا لمواجهة مُخالفات الطرق، والتي أصبحتْ تشكِّل تهديدا مُقلقاً للمجتمع؛ فلا معنى لوجود منظومة من الضوابط والروادع القانونية لتحقيق الانضباط المروري، لا يتم الالتزام بها من جانب شريحة من الأفراد، خاصة إذا ما تمَّ الأخذ بعين الاعتبار بأنَّ أغلب هذه المخالفات تتعلق بالسلوك الشخصي لسائقي المركبات ويمكن تجنبها، كالسرعة الزائدة والقيادة المتهورة.
ولابد هنا من الإشادة بالجهود التي تبذلها شرطة عُمان السلطانية -ممثلة في إدارة المرور، بفروعها في مختلف المحافظات والولايات- وما تبذله من حملات توعوية، أسهمت في خفض نسب حوادث الطرق بنسبة 28.2 بالمائة، حسب ما ذكرته إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. إلا أنَّ مُستجدات اللحظة تتضمَّن جُملة من التطلعات نحتاج توفيرها حفاظا على مُقدِّرات وطننا المعطاء؛ أولاها: ضرورة رفع مستوى التنسيق بين المديرية العامة للمرور العامة ومكاتب وزارة البلديات الإقليمية في مختلف المحافظات؛ بشأن مُعالجة السلبيات الموجودة في شبكات الطرق، واقتراح التحويلات التي تسهل حركة النقل، وكذلك تأثيث الطرق بالعلامات المرورية الدولية -سواءً التحليلية والإرشادية أو العلامات المانعة والإلزامية- وكذلك التنسيق مع وزارة النقل والاتصالات بشأن تطوير النقل الثقيل والعام، ووضع خطط عمل لها تضمن تطوير العمل المروري، وتعزيز نظام المرور الذكي في الدوَّرارت والإشارات والشوارع؛ من خلال منظومة إلكترونية متكاملة تلاحق المخالفين وتحرِّر غرامات فورية بحقهم وفق نظام رقابي مروري متكامل.
كما أن واحدًا من بين الأمور المهمة التي يُمكن أن تُسهم في رفع الوعي بالتعديلات المرورية الجديد كذلك، يكمُن في تسليط الضوء إعلاميًّا عليها بصورة مستمرة، وأن تُترجم نتائجها وتنشر بحيث يُدرك الرأي العام حجم الاستفادة الحقيقية منها.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة تكاتف الجهود من أجل إزالة القناعات السلبية التي تتملَّك البعض حول التعديلات الجديدة، بما يُعزِّز من جانب الثقة ويؤصِّل لجانب المسؤولية في أنَّ ما تقوم به الجهات المختصة بالمرور إنما هو عمل إنساني وطني راق يستهدف الإنسان العُماني واطمئنانه؛ وهو ما يضمن توفير حالة جديدة من الالتزام المروري تكون نابعة عن رغبة واقتناع واختيار لتحقيق الوعي المطلوب، خصوصا وأنَّ ما يُلاحظ من سلوك حاصل من بعض قائدي المركبات والتجاوزات التي تحصل عند عدم تواجد نقاط المراقبة المرورية أو عدم وجود انظمة المراقبة المرورية، يستدعي مراجعة جدية للشخصية الوطنية في ظل منظومة الثواب والعقاب، وسمو الإرادة ونمو الضمير وبناء منظومة المساءلة والمحاسبة والمكافأة؛ بحيث يتربَّى النشء منذ نعومة أظفاره على الالتزام والواجب والمسؤولية دون ربطها بفرد أو شخص؛ وحتى يتحوَّل السلوك منذ بدايته إلى سلوك ذاتي وممارسة مُوجَّهة في إطارها السليم، يُترجم فيما بعد في إطار المصلحة الوطنية.