هشام الغنيمي
قال الله تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يوسف20
يزداد استيعابي لهذه الآية وتأخذ قيمة أكبر وأكبر عند تلاوتي أو استماعي لها خاصة في هذه الأيام، وأنا أسوق مركبتي متوجهًا إلى العمل كعادتي في هذا الصباح المُشرق الجميل، مستمتعًا بذكري لربي، وصوت الهواء يداعب أذني، متوجهًا إلى إنجاز جديد يسطّر في سجلي الوظيفي، وخدمة متجددة لتطوير عملي إذ بي أرى أحد الذي باعوا أنفسهم بثمن بخس بشهوات معدودات.. ويا ليتها ساوت الدراهم حتى.. شبّهته بإبرة ونحن كقطعة قماش خائفة مرتعشة، في يد خياط مبتدئ، والذي طالما أتلف قطعًا كثيرة ورماها في القمامة.
فمرة يتخبّط يمنة في الشارع، وتارات يسرة، وكأنه كان يبحث عن فراغ في وسط ازدحام المركبات ليمر من خلاله! صِرنا وكأننا في ملعب كرة قدم وليس شارعًا مرصوفًا!
في لحظة سريعة خطرت ببالي هذه الآية العظيمة وهي تحكي قصة سيدنا يوسف الصدّيق – عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة من الله والسلام- وكيف رماه إخوته بالبئر وتلقفته أيدي السائرين في سفرهم وبيعهم إيّاه بثمن بخس وكانوا فيه زاهدين غير مغالين في سعره. ولعلهم ظنّوا أن تحصيله كان من غير عناء، فكذلك طمعوا في الربح السريع! استرخصوه لينالوا تلكم الدراهم، التي لو نطقت لشهدت له بكل فضل وكرامة واصطفاء على الناس العاديين.
كان الوقت صباحًا كما أسلفت، فلعلّ هذا المتهور يسوق نفسه المتهكمة للعمل ويدفعها دفعًا ليصل في الوقت المحدد، بعد ليل طويل بالسهر.
ولكن السؤال هنا.. أي وقت هذا الذي يريد بلوغه؟ هل لتحطيم رقم قياسي جديد، أم لتحقيق كلمة “نجى من حادث اليوم، ليجازف بالغد”.. يا ترى ما نوع الإنتاج الذي سينتجه بتلك النفس المروّعة التي روعتنا معها. أم على من سيشرف من موظفين، وهو أشرف على ترويع سلامة البشر في الشارع مع مرتبة الشرف؟
وأي راحة وبسط وجه سيجلب لزملائه والمراجعين البسطاء، إن كان قد صدم أكثر منهم في ذلك الميدان المرصوف “بالقار”.
وأخيرًا، أي خدمات وأجهزة سيستخدم في عمله، بعدما أساء استخدام نعمة السيّارة التي نقلته بكل راحة – أو بمعنى آخر، المفروض أن تنقله بكل راحة وسلامة – إلى كل مكان أراد؟!
يا أخي : نفسك غالية فكيف تبيعها بحادث سير مروّع، وتبيع مالا تملك بيعه من أرواح البشر وروحك معهم؟!