عبدالرزّاق الربيعي
ذات يوم كنت في سيارة تشقّ الطريق بشارع جانبي بالعذيبة، فجأة وقفت سيّارة قادمة، من الجانب الآخر، وأشارسائقها لسائق سيارة الأجرة التي أركب بها إلى الإسراع بربط حزام الأمان، فأسرع الثاني إلى ربط حزامه، واعتبرتها إلتفاتة جيدة، فمن الجميل أن يتحوّل سائق عابر في الشارع إلى شرطي مرور ينبّه إلى ضرورة تطبيق القوانين، وعدم مخالفة الأنظمة، فلوّحت للسائق العابر بيدي شاكرا، لكنّ فرحتي لم تدم طويلا، لأنني لمحت نقطة تفتيش على بعد أمتار من مكاننا، ولم تكن ملاحظة ذلك السائق إلا من باب التنبيه، لوجود المفرزة، وليس من أجل تطبيق القانون الذي لم يهتم بتطبيقه قدر اهتمامه بنصرة أخيه السائق، ظالما، أم مظلوما، ليفلت من العقوبة !!
لقد سنّت القوانين لخدمة المجتمع، باتّفاق أفراده، لتحميه، فهي ليست سيفا مسلّطا على رقاب أبنائه، ومن المؤسف أنّ البعض يعتبر القانون عدوّا له، لذا يحاول صدّه، والتحايل عليه، لهذا شدّدت الحكومات على تطبيق القوانين، ومنها القوانين التي تنظّم السير، وقد وضعت أجهزة كشف السرعة “الرادارات” في الطرقات، لتكون للتكنولوجيا الكلمة الفصل، في شوارعنا، مع أن الإنسان ركيزة أساسيّة في تطبيق أيّ قانون، وهنا يأتي دور الوعي المجتمعي، فلابدّ أن يعرف كلّ فرد من أفراد المجتمع دوره في تطبيق تلك القوانين، وكما نرى في الدول المتقدمة، يتعاون الجميع من أجل تطبيقها، وقد لفت نظري خبر نشرته جريدة “الصباح” العراقية يتحدّث عن موقف مرّ به عراقي يقيم في السويد، إذ طلبت منه جارته السويديّة ،ذات ليلة، نقلها إلى أقرب مستشفى للولادة عندما شعرت بدنوّ ساعة المخاض، فسارع إلى نجدتها، وفعل كلّ ما بوسعه لإنقاذ الأمّ، والجنين، فأوصلها إلى المستشفى بالوقت المناسب، ولله الحمد، وتمّت الولادة على خير، لكن صاحبنا فوجئ، بعد ثلاثة أيام، بوصول رسالة من دائرة الضرائب تطالبه بدفع ما يعادل “150” دولارا، لتجاوزه الاشارة الحمراء، وبعد أيام زار جارته حاملا باقة ورد، ثم دار حديث تطرّق خلاله الى موضوع الغرامة، فقالت له “أنا اشكرك جدا لأنّك أنقذت حياتي لكنك كنت تسوق بسرعة فاقت سيارة الإسعاف، فاتصلت بالشرطة، وأعطيتها رقم سيارتك، إذ لا يمكن اطلاقا حتى في أصعب الحالات، أن نتجاوز على اشارة المرور، حفاظا على أرواح المواطنين، ولو كان قد حدث مكروه ، لكنت أنا، والطفل في عداد الأموات، والسبب هو كونك لم تطبّق القانون”.
وكان وقع الخبر على رأس صاحبنا كالصاعقة! ولم يجد أمامه سوى أن يشكرها، ويتّجه إلى دائرة الضرائب، ليدفع ما عليه من ثمن مخالفة أعطته درسا في الحياة.
إنّ برامج التوعية المرورية لا تؤتي ثمارها بسبب اعتمادها على الوسائل الوعظية، والخطابات التأديبية، بل حين تعتمد وسائل أكثر فاعلية لتكون أقوى تأثيرا في الجمهور، وهذه البرامج تبدأ من المدارس، ومراكز التوعية ،والندوات، والتأكيد على أهميّة السلامة المروريّة قبل انطلاق أيّة فعاليّة ثقافيّة، من باب التذكير بضرورة تطبيق قوانين المرور، ولا ننسى أهميّة برامج التلفزيون التوعويّة التي تقدّم المعلومة ضمن قالب درامي مشوّق، كما شاهدنا في البرنامج الصحّي “سلامتك” الذي أقرّته الأمانة العامّة لوزارة الصحة في دول الخليج، وتم انتاج الجزء الأول منه سنة 1983، وكلّنا نتذكّر الأثر الإيجابي الذي تركه هذا البرنامج خلال عرضه في الثمانينيّات.
ولو قمنا بتنشيط هذا الجانب، وتغليظ العقوبات، كما جاء في تعديل قانون المرور الذي ورد في المرسوم السلطاني السامي رقم 38/2016 الذي أدرج بعض المخالفات التي لم تكن مدرجة في قانون المرور السابق، كقطع الأودية، وتشديد بعض العقوبات لمن لم يمتثل لتوجيهات الشرطة، ومن المؤكّد أنّ هذه الإجراءات ستقلّل من الحوادث، مثلما ساهم وضع أجهزة كشف السرعة على طرقات “مسقط”، ولو رفعنا مستوى وعي المجتمع بأهميّة السلامة المروريّة سيكون بداخل كلّ منّا “رادار” يردعه عن كسر القوانين ، كما فعلت السيدة السويديّة حين كافأت صاحبنا العراقي على “شهامته” التي أوصلته إلى درجة “التهوّر”، بدفع غرامة ،طائعا، إلى دائرة الضرائب!.