فوزي بن يونس بن حديد
لا يظنّ أحدٌ أن كلام سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة الذي تحدّث عن المخالفات المرورية أنه يمنع رجل الشرطة من مخالفة المتجاوزين للقوانين وأنظمة طرق السير، ولا يشكّ أحد في أن سماحة الشيخ يريد أن يوجد جسر توافقٍ وحوارٍ بين المواطن ورجل الشرطة، فكثير من الشباب التقطوا الجمل التي انتقد فيها سماحة الشيخ المخالفات التي رأى البعض أنها مضرّة وأنها تثقل جيوب المواطنين والمقيمين بينما يراها الشرع ضرورية أحيانا لِلَجْم المتهورين الذين يعبثون بأحكام الشرع، فسماحته أفتى بانتحار من يسرع أكثر من 120 كلم في الساعة وذلك دليل واضح على أن السرعة شر قاتل لا بدّ من التصدي له بكل السبل الممكنة من التوعية إلى العقاب عندما لا يلتزم الناس وذلك هو ناموس الحياة.
لا بدّ من التوضيح أن كلام الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله لا يفسّر بأنه معارض للمخالفات، فسماحته حريص على أن يكون المسلم ملتزما بالقوانين والإرشادات والإشارات التي تنظم حركة السير، ولا أظنّ أن سماحته لا يوافق على عقاب المتهوّرين في السياقة ويتسبّبون في موتهم أو الذين يلعبون بهواتفهم في الطرقات قصد التسلّي، بينما يتركون سياراتهم تميل يمنة ويسرة محدثة هرجا ومرجا، بل ينبغي أن يُفهم كلام سماحته وفق السياق العام الذي قال فيه هذا الكلام، وأراد من خلاله أن يوجد علاقة أفقية وعلاقة أخوية بين السائق ورجل الشرطة، قوامها التعاون والتكافل من أجل مكافحة أسباب الحوادث، فمن يعتقد أن الشرطة تترصّده وتترصّد مخالفاته فهو مخطئ لا محالة لأنها تشكّلت في الأساس للحماية والسهر على أمن وأمان المواطن وتتعب وتتحمّل المشاق والصعوبات وردّ فعل كثير من الشباب، إلا لكونها الجهاز الذي يحمي الدولة من أيّ معوقات داخلية يمكن أن يتسبب فيها شباب خارجون عن النظام.
وعندما تبيّن الإحصائيات أن السرعة واستعمال الهاتف النقال سببان رئيسان في حوادث الطرقات، فإنه من الأجدر البحث عن وسائل شرعيّة لمكافحة مثل هذا التصرّف ومنها وسائل التوعية المكثّفة عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، ولا تكتفي الشرطة بذلك إذا رأت تجاوزات وخروقات من شباب آثروا التهوّر في الطرقات، ومضايقة السائقين والإضرار بفئة من المارين أو السائرين، بل تتجه إلى نوع من العقوبات يردع أولئك عن التسبّب في موت كثير من الناس، فهل هذا تصرّف من شأنه أن يضايق الناس أم أنه نوع من الإجراء الضروري لحماية الناس؟
وقد تبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن الهاتف النقال ذلك الجهاز اللّعوب الذي يغري كثيرا من الناس وتسبّب في حوادث متكررة ومنهم أنا شخصيا، فلقد تعرضت لحادث ومعي 3 أو 4 سيارات من أمامي ومن خلفي والسبب سائق حافلة يلعب بهاتفه النقال، ودون انتباه تفاجأ بوجود رتل من السيارات أمامه وهو في سرعة عجيبة، دهسنا جميعا وخلّف أضرارا كبيرة بالمركبات وفزَعا غير يسير بقلوب السائقين وأضرارا ببعض الأفراد، وهو يسوق حافلة دون تأمين، أليس من حق الشرطة أن تخالف مثل هؤلاء المتهورين؟ أم تتركهم يعبثون بأرواح العباد وأموالهم؟
العاقل من ينتبه إلى نفسه ويقرّ بوجود خلل في نفسه إن هو يقود مركبته ويتحدّث بهاتفه ولا يبالي بمن حوله ولا بمن وراءه، ولا يبالي بإلحاق الضرر بالناس وهو يعلم مسبقا أن ذلك حرام شرعا ومخالف قانونا، وبعدها ينادي بأعلى صوته أن المخالفات أهلكت جيوب الناس، العاقل هو من يعمل من أجل التصرّف بلياقة عند السياقة، وبلباقة وبكل رشاقة، ويحفظ نفسه وغيره من الفاقة، ولا يكلّف الله نفسا أكثر من طاقتها، ولم يخلق قلبين في جوفها، ولم يأمرها بأكثر من وسعها، هو لطيف بعباده، خبير بأفعالهم، عالم بأسرارهم.
فما أجمل أن يكون الإنسان قريبا من الله عز وجل، وما أبهى أن يلتزم بآداب الطريق دون خلل، وما أروع أن يمرّ عام دون أن تصدر في حقّه مخالفة أو وبَلٌ، وما أشدّ الحياة قساوة وألما حينما يكون سببا في الإضرار أو متعدّيا على حقوق الغير.