ما الذي يحدث؟ ولماذا كل هذه الآلام والكوارث والمآسي.. معاناة مستمرة، ولا تفسير، ولا علاجات نشعر بقيمتها!!
حوادث تتوالى من أقصى الجنوب، لنتلقى أخبارًا آخرى في أقصى الشمال؛ فالداخلية إلى الباطنة فالشرقية.. كل المحافظات والولايات، هناك حملات توعية، وإن اختلفنا على جودتها وكثافتها وأسلوبها، إلا أنها موجودة بين الفترة والاخرى, في التلفاز والإذاعة لا يكاد برنامج يقدم إلا ويلقي المذيع أو المذيعة على مسمعنا تنبهات مستمرة! والصحف المحلية لها حضور متفاوت والمنتديات الإلكترونية قدمت مواضيع كثيرة، وكذلك الشبكات الإجتماعية لها نصيب.
أين تكمن المشكلة؟!! هل في شوارعنا أم هو ضعفٌ في أخلاقنا ومبادئنا أو قلة التزامنا بالقوانين والقواعد المرورية وضوابط السلامة أم مشكلات نفسية أم اجتماعية، أم عدم المبالاة وغياب الشعور بالمسؤولية أم نعاني من أزمة في ضميرنا الإنساني؟
كل الأسباب واردة ومطروحة وكل الأسباب مرتبطة ومتصلة ببعضها كالعقد لا ينفك سبب واحد عن الآخر، ولعلي سأضع الضمير الإنساني تحت مجهر التشخيص كونه الحلقة المفقودة في التوعية وفي الندوات والمحاضرات التي أقيمت من أجل (الحد من حوادث الطرق)؛ فرأينا التزايد المضطرد, قد نصل في التصنيف العالمي إلى المركز الأول في حوادث المرور متجاوزين بذلك بلدان سكانها المليار, وأخرى مئات الملايين، ونحن لم نتعدَ الثلاثة ملايين بعد.
.. إن الضمير الإنساني هو ذاك الشعور الذي يكمن داخل النفس ليكون الرادع والمانع لأي شر بأنواعه، فلنسأل أنفسنا جميعا ولنختبر هذا الجهاز في أعماقنا.. هل أصابه العطب أم لا يزال صالحًا ليعطي مؤشرات للصحوة؟
إن العالم أجمع يعاني من أزمة في موت هذا الضمير، ونحن جزء من هذا العالم، وصورة مصغرة من عالم أكبر، وما الكوارث والمحن والمجاعات والمآسي إلا من صنعنا نحن، وفي بلدنا الحبيب في كل ساعة، بل في كل لحظة ودقيقة، نكاد نفجع بكارثة ما لبثنا أن نتعافى من سابقتها حتى نرزأ بأعظم منها، إن الدين والتدين أصبحا مجرد تراث قديم ولم يعد سوى شكليات لا أكثر وهرول الجميع متسابقًا إلى سحر الحياة المادية فانحرف السلوك وضاعت المبادئ، فقبل فترة ليست ببعيدة طالعتنا الصحف المحلية برجل استغل مال الأيتام وأكله ظلما وبغيا وعدوانا لسنوات، وهو نموذج سيئ لموت الضمير ومثله متكرر، وقرأنا ذلك الاستغلال البشع للمحافظ الوهمية وراح الكل منجرًا إلى الكسب المادي الفاحش السريع على حساب كل القيم الدينية وعلى حساب الأخلاق وعلى حساب الإنسان الآخر، وكان كل ذلك على مرأى ومسمع من الجهات المسؤولة التي يفترض أن تكون طوق نجاة للمواطنين البسطاء الذين غرر بهم، وانتهى الأمر بضياع حقوق الناس وسجن 3 سنوات للفاعل!! وماذا بعد؟!
فساد متفشٍ.. القوي لا سلطان عليه، والضعيف هو الحلقة الأضعف ويدفع الثمن، لا اعتراف بالاخطاء ولا محاسبة للكبار، فحين يبلغ الحال بالانسان أن يستمر في الظلم لأخيه الإنسان ويؤيد انتهاك حقوقه الانسانية وحريته وأمنه فنحن أمام أزمة للضمير الإنساني، وحين يرتع الفقهاء والكتاب في السياسة والاقتصاد والخطباء والإعلاميون وغيرهم -إلا من رحم ربي- دفاعا عن سلوكيات وأخطاء فادحة ترتكب في حق المواطنين مع علمهم بوجود تجاوزات فهذا يعني بأننا أمام أزمة للضمير الإنساني، وعندما لا يبالي الموظف ويتجاهل أهمية إنتاجه ولا يؤديه على الوجه الاكمل فنحن امام أزمة أخرى للضمير، وعندما يفقد الأب ورب الأسرة الشعور بالمسؤولية تجاه أبنائه وأسرته، والأبناء لا يراعون حقوق والديهم فهي أزمة ضمير بشكل آخر، وعندما يعاني المواطن في الحصول على حقوقه من جهة عمله أو من الشرطة أو من المؤسسات القانونية أو القضائية ولا ترد مظالم الناس فنحن أمام أزمة أخرى تنبئ بخطر أكبر، وعندما يموت الإنسان في داخلنا ونحن أحياء، حينها لا يبقى للحياة معنى!!
.. إن ما يحدث في مجتمعنا وداخل الاسرة وكل الوطن من مظالم في صورٍ مختلفة، ما هو إلا نتاج أفكارنا وغياب صحوة الضمير، وإن تعكر صفو السماء فمن دخاننا المبتعث من مصانعنا وكذلك تلوث البحر ما نلقيه من فضلاتنا.. إننا امام جيل متدهور ومتهور وهو نتاج تخلفنا في قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا وأسس تربيتنا وابتعادنا الكلي عن معالجة المشكلة وتجاهلها هو ما ندفعه من ثمن كل المآسي والكوارث.
جميعنا مسؤول، ونحن وحدنا من صنعنا هذا الواقع، ولا أحد يملك أن يبرئ نفسه ويخرجها من واقع الحال، إن ما يحدث لنا انعكاس لما نصنعه ونفعله وهو ترجمة لدواخلنا وهو نحن، فلن تثمر الأرض وتخضّر وتعطي ثمرا ورزقا هكذا، ولن تجود السماء بالخير والعطاء ولن ينزل الغيث الا بما تجود به أيدينا ونوايانا السليمة مترجمة أفعالا لتلك النوايا الصادقة، وكل ما يحدث في أي مجتمع يكون محصلة أفراده ومواطنيه وكل منا مسؤول عن أفعاله على حسب مكانه وموقعه بشكل تصاعدي من القاعدة الى أعلى الهرم.
فمتى ما كان الانسجام داخل كل جسم وكل نفس وضمير، كان السلوك الفعلي إيجابيًا، وكان التقدم والنماء مزدهرًا، أما إذا عمت الفوضى والاضطرابات في داخله فإن السلوك سينحرف لا محالة، وهنا فلينظر كل منا إلى ضميره وليقف مع النفس وقفة صادقة، وليسأل دولة نفسه، إلى أي جانب هو منحاز؟ إلى أطماعه وأنانيته ومكاسبه الذاتية أم إلى المصلحة العامة وإلى نصرة المظلوم وإعانة المحروم؟ ثم ينظر بصدق إلى أفعاله لا أقواله؟ وإلى ما يضيره ويسره في داخل نفسه لا إلى ما يعلنه؟ وبعدها سيجد الإجابة الى أي جانب هو منحاز..! وأين يقف..! ولماذا هذه الكورارث.
وفي الختام، لا تلعنوا الشوارع ولا تقولوا حرمتنا السماء، ولا تلوموا القدر، ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه المآسي والكوارث، ولكن قولوا “ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” صدق الله العظيم.
منشور جريدة الرؤية