لا زلت أتذكر سنيني الدراسية الثلاث الأولى في المدرسة السعيدية بمسقط, فإستعداداً للذهاب إلى المدرسة كنا نتجمع في منطقة (ريام) بعد مشقة المشي من منطقة قريبة منها تسمى (الدوحة) وهي منطقة بحرية بين (ريام وكلبوه “جزء من منطقة الألعاب بحديقة ريام حالياً ومطعم الإنشراح سابقاً”) وكنا نقطع المسافة من خلال أكثر المسارات خطورة ووعورة بين البحر والجبل ومرات عديدة لم نستطع فيها مواصلة السير مما نضطر للرجوع, فالطريق كانت بيئة بكراً ولم تمسسها الجرافات حتى ذلك الوقت.
وبما أن وسائل النقل المدرسية لم تكن متوفرة آنذاك, فإنه إذا ما حالفنا الحظ أثناء تواجدنا في منطقة (ريام) بإيجاد وسيلة نقل, فإن من كان يشفق علينا هم سائقو الشاحنات العملاقة التي نسميها (تريتن) حيث نصعد على الشاحنة العملاقة مقارنة إلى أجسامنا الصغيرة, وبصعودنا ونزولنا كنا نعاني كثيراً فمنا من تتسخ (دشداشته) ومنا من تتمزق والكثير ما كانت (كميمنا) تتطاير خارجاً ونفقدها لأن المكان المتاح للركوب هو بالتكدس في الجزء الخلفي المكشوف للشاحنة العملاقة (الكريل) وقوفاً أو جلوساً, وفي الأيام الكثيرة التي كنا لا نجد فيها وسيلة نقل, فإننا نضطر للمشي في الظهيرة المشمسة والحارة قاطعين المسافة بين (ريام ومسقط) التي نعبر خلالها عقبة ريام وهو الطريق الوحيد المؤدي إلى مسقط ويربطها بمطرح, وحين الوصول إلى المدرسة متأخرين نجد هناك من يتربص بنا وهو حارس المدرسة / ربّاع / مهيب الطلعة الذي كان يخافه الطلبة أكثر من مدير المدرسة نفسه وحينها لا نسلم من قبضته وعبارات (المنازعة) التأنيب الشديد التي يكيلها إلينا, ومن ثم يسلّمنا بدوره إلى مدير المدرسة أو لأحد المدرسين, وأذكر أن بعضنا وأنا واحد منهم نبكي قبل أن ينالنا سوطين أو أكثر في كلتا اليدين بسبب التأخر عن الطابور والحصة الأولى, وفي أغلب الأحيان يتكرر معنا مشهد المسير الطويل والشاق بالعودة إلى المنازل بعد أن يعلن جرس المدرسة (الطلقة) بإنتهاء اليوم الدراسي, نعم هكذا كنا وكان هذا المشهد من ذكرياتنا المدرسية في ذلك الوقت.
ومن حسن الحظ الذي حالفنا أن الحكومة الرشيدة بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم – حفظه الله – وفّرت عقب تلك الفترة بوقت قصير حافلات لنقل طلبة المدارس وعلى حد علمي أنها كانت ملك لوزارة التربية والتعليم, وفي تلك الأيام لم نشهد أو حتى نسمع حينها أن إحدى الحافلات المدرسية قد وقع عليها حادث مروري بالرغم من وضعية الشوارع آنذاك والمرور عموماً, أو أنها توقفت بسبب عطل ميكانيكي.
والآن وبعد أن إنتشرت المدارس في كافة أرجاء السلطنة وتزايد أعداد الطلبة, صارت هناك حاجة ماسة لتوفير أسطول من الحافلات المدرسية لخدمة الطلبة في تنقلهم من وإلى مدارسهم, وهنا كان الإتجاه لفتح المجال للمواطنين لتأجير حافلاتهم لهذه الغاية, لربما كان من منظور أن الوزارة من الصعوبة عليها بمكان توفير هذه الأعداد من الحافلات, بالإضافة إلى جانب آخر وهو فتح باب رزق للمواطنين للإنتفاع منه, نعم قد يكون لهذا الإتجاه في ما مضى ضرورات ملحة تبرره, ولكن ما يحسب على ذلك الآن أوردها في النقاط التالية :
– تقادم الحافلات المدرسية وتجاوزها بسنوات عديدة للعمر الإفتراضي للإستعمال, ووضعها متدنياً من حيث السلامة والمتانة, وقصور واضح في إجراء الصيانة الدورية لها.
– إكتظاظ الحافلات المدرسية بأعداد من الطلبة وفي أكثر الحالات تنقل طلبة بأعداد تفوق سعة حمولتها القانونية.
– صغر سن سائقي الحافلات المدرسية ولربما نسبة كبيرة منهم حديثي العهد بالسياقة ويفتقرون تبعاً لذلك إلى الخبرة والدراية الكافية في كيفية التعامل مع هذا الحجم من الحافلات المكتظة بالكم العددي من الطلبة, بالإضافة إلى تجاوز هؤلاء السائقين قواعد السلامة والأنظمة المرورية, فمن المشاهد المألوفة سرعة الحافلات على الطرق, والتجاوز والإنتقال من مسرب لآخر, والتورط في حوادث مرورية.
في إعتقادي أنه آن الأوان لإيلاء هذا الموضوع المهم جل الإهتمام فمن غير المقبول أن يظل الوضع كما هو عليه على حساب سلامة أبناءنا الطلبة (كما هو الحال بشأن وضعية مدارس تعليم السياقة) ولربما يجب النظر في تكليف مؤسسات نقل متخصصة كمؤسسات النقل العام وغيرها بمهمة نقل طلبة المدارس, أو تكوين شركة من المواطنين أصحاب الحافلات المؤجرة للمدارس لكي لا يقال أن هذا تضييق على المواطنين والمساس بأرزاقهم, بحيث تتكفل هذه المؤسسات بعملية النقل الجماعي للطلبة, وتمتلك حافلات ذات مواصفات آمنة وعلى قدر جيد من الصيانة, ويمكنها توفير سائقين أكفاء ومدربين, ولربما قيامها أو حتى الإشتراط عليها بتوفير مرشدين مرافقين في الحافلات المدرسية, بهدف تنظيم عملية صعود الطلبة للحافلات وتواجدهم فيها ونزولهم منها, ومراقبة تحرك الطلبة خارج الحافلة وإرشادهم على إتباع السلوك الآمن عند قطع الطرق.
وأرى أن هذا التوجه سيحد من إستخدام الحافلات المتهالكة بسبب سوء الإستخدام وضعف الصيانة وإنتهاء عمرها الإفتراضي, والتي لا تتطابق مع المواصفات والشروط المحددة, وسيحد كذلك من إستخدام سائقين غير مؤهلين في سياقة الحافلات المدرسية, بالإضافة إلى تعود الطلبة على الإنضباط وحسن التصرف مرورياً بوجود المرشد, والمحافظة على سلامتهم أثناء تواجدهم بداخل الحافلة المدرسية والنزول بين المنزل والمدرسة.