فوزي بن يونس بن حديد
عجبا لما يحدث ، كشفت الإحصائيات التي قامت بها شرطة عمان السلطانية طوال السنة الماضية أن الإنسان هو السبب الأساس في حدوث هذه المآسي على الطريق، ورغم ما قامت به الشرطة من جهود جبارة تلبية لنداء صاحب الجلالة إلا أن أرقام الضحايا والمصابين بقيت مرتفعة وتقضّ مضاجع المجتمع بكامل أطيافه فما الذي يمكن أن نفعله لهذا الإنسان حتى يعي دوره في الحياة؟
فرغم النداء الأبوي الرحيم من قلب يحمل شفقة على فلذات الأكباد والصراحة التي تغلف بها هذا النداء من أعلى مستوى في الدولة وهو صاحب الجلالة السلطان المعظم، ورغم الفتاوى التي تجعل المتهور في الطريق والذي يقود بسرعة جنونية أو في حالة من السكر أو الإرهاق قاتلا نفسه و غيره وأنه محاسب على ذلك في الدنيا والآخرة، ورغم النشرات الدورية والمحاضرات التوعوية والندوات والمطويات والمراقبات وتشديد المخالفات، لم نرَ بريق أمل في الأفق يلوح للحد من الدماء التي تسال على الطريق بدون وجه حق، ما الحل إذا؟.
وما دمنا قد عرفنا العلة وهي الإنسان، علينا أن نبني هذا الإنسان من جديد ، ونغرس فيه ثقافة الطريق، ونبين له أن السياقة ليست هواية أو مغامرة إنما هي ثقافة تنبع من الصميم، ندرسها نتعلمها نمارسها نعاقب على مخالفتها، ربما ذلك يحد من نزيف الطريق ويسير الجميع بمسؤولية ووعي وثقافة ويكون المجتمع في أمن وأمان من الخسائر البشرية والمادية.
إذا أردنا أن نحدّ من الحوادث فعلا، علينا أن نقف عند هذه النقطة كيف نبني البشر؟ ما هي الطريقة المثلى لجعل الإنسان يلتزم بقواعد المرور ولا يتجاوزها أو يسخر منها؟ ما الذي يمكن أن نفعله للأجيال القادمة؟ أسئلة تطرح على الجهات المعنية لا سيما شرطة عمان السلطانية، وكذلك وزارة التربية والتعليم لأنها الحضن الأول للطفل، فالطفل يولد فكريا في المدرسة يأخذ من معينها الذي لا ينضب، يشتد عوده بين جوانحها ويشرب لبن التربية من معلميها ومعلماتها، لذلك أقترح مرة أخرى أن تدرج مادة ضمن مواد التربية بعنوان ثقافة مرورية يدرسها الطالب من نعومة أظفاره وحسب مستواه وطاقته وتتدرج معه وينمو وتنمو معه هذه الثقافة حتى إذا بلغ رشده واستوى عوده كانت تلك الثقافة كفيلة بأن تكون حامية له من مفاجآت الطريق وهي تجربة ما زلت ألحّ عليها لأنها الطريقة المثلى لبناء إنسان سوي مثقف عصريا يعرف كيف يتعامل مع الطريقة بمهارة.
وأمّا على المستوى الآني، فأطلب من شرطة عمان السلطانية دراسة إنشاء اختبار تحريري قبل السماح لأي متقدم بالشروع في تعليم القيادة، إذ ليس كافيا أن تمسك بمقود السيارة بل الأمر الأهم أن تستطيع قيادة السيارة بكل ثقة ودون حدوث مشاكل لنفسك وللآخرين، هذا الاختبار يميز من له القدرة على التكيف مع الطريق من الذي يعتبر أن ذلك لم يكن إلا مجرد هواية.
كما أطلب منها وفي ظل المتغيرات الجديدة وعدم تقيد الناس بقواعد المرور وخاصة استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة تشديد المراقبة وتكثيف الدوريات على المقاطع التي تشهد حوادث باستمرار، وبهذه الطريقة نضيق الخناق على من تسول له نفسه تجاوز القانون.
ونحن نحتفل بأسبوع المرور الخليجي فإن المسألة تحتاج إلى تدخل فوري وإجراءات سريعة للتخفيف من حدة الحوادث التي تطل علينا كل يوم، والإنسان العاقل هو الذي عندما يمسك المقود عليه أن يتذكر عواقب تهوره ويجعل ذلك أمام عينيه خاصة وأنه قد شاهد حوادث مفجعة أمامه مما يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على فعل يندم عليه أشد الندم بعد ذلك.
إنني أتألم كما يتألم غيري ما يحدث على الطرقات من تجاوز واضح وخرق للقانون وتهور ولا مبالاة وتدخين في السيارات واستعمال للهاتف النقال وعدم انتباه وغيرها من الأسباب التي تؤدي كل يوم إلى مثل هذه الحوادث، عافانا الله من شرها ونسأل الله عز وجل أن يسلمنا من خطرها.