فوزي بن يونس بن حديد
قربت السنة على الانتهاء، وستوافينا شرطة عمان السلطانية بإحصائية العام من حوادث مؤلمة وقعت خلاله وما نتج عنها من وفيات وإصابات، وهي لا شك ستكون أرقاما مفزعة ونتائج مربكة تولّد في القلب حسرة وعلى الخدّ دمعة وفي الوجدان لوعة، كنا نتمنى أن لا تكون ولكنها حدثت وخلفت وراءها خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات لسبب أو لآخر، أردنا أن يلتزم السائق بأخلاقيات القيادة ويكون رزينا وعقلانيا ومنتبها، يعرف أن وراءه من يتمنى عافيته ويراه في صحة وهناء، ولكن بعض المتهورين أرونا ما عندهم من مجازفة وإقدام في غير محله وتسببوا في ما لا يحمد عقباه.
الدولة تسابق الزمن، فاعتنت بالبنية الأساسية وشيدت الطرق بمواصفات عالمية وعالية الجودة لتريح السائق، ووفرت كل العلائم التي تدل السائق على مواقع الخطر ليأخذ حذره، وترشده إلى السائق النبيل فيحذو حذوه، وتنبهه إلى خطر الطيش والتهور فيسكن قلبه، وإن لم يلتزم فإن مآله الكرسي أو القبر، فالدولة تسعى لبناء الأساس حتى تريح أعصاب الإنسان ويسير في الطريق دون منغصات، والشوارع فسيحة ومخططة وواضحة ليس فيها اعوجاج ولا انكسار، بنيت على أعلى المواصفات لتكون ردءا للعباد ولكن السائقين أنفسهم يظلمون.
وفي المقابل يأتي السائق المتهور ليهدم ما بني من أجله، وما أسهل الهدم بعد شقاء البناء، ما أسهل أن يضغط المتهور على دواسة البترول إلى أقصى حدها فيهدم نفسه وغيرها ويفنيها في لحظة من الزمن، في بضع دقائق أو لنقل ثواني، لا شك أنها معادلة صعبة جدا، إذ كيف نسمح لمثل هؤلاء بالعبث في الشوارع يترنحون يمنة ويسرة ويلهون ويمرحون بكتل الحديد والنار وفجأة يحدث المكروه وتتفحم الأجساد وتنتحب الثكالى والأمهات، ويتيتّم الأطفال، ويصرخ التأمين وينهك الاقتصاد.
الحوادث شر لا محالة، ولا أريد أن أقول: شر لا بد منه فقد يكون تعبيرا فيه مغالطة في هذا المحور، ولكن يكفي أن نقول عنه شر حتى نجتنبه ونبتعد عنه ولا نقع فيه لأنه هاجس مخيف وزائر مرعب وحلم مزعج، يكفي أنها أفقدتنا أحبابنا وأصحابنا ومن نعرفهم من قريب أو بعيد، لذلك لا بد من التحرك على أكثر من صعيد، لا ننتظر أن تقوم الدولة بكل شيء فهي في النهاية لها طاقة وحدود وتنتظر من الشعب لا سيما الشباب أن يعينها على مصائب الحياة لا أن يزيدها معاناة، تدعوه أن يساهم في رقي المجتمع وازدهاره لا انهياره، فإذا كان شابا صالحا يافعا كان نافعا وإذا كان شابا متهورا مزعجا وقد يصبح يوما على كرسي أو طريح الفراش فيكون عالة على الجميع يتكفف الناس.
الأمر يدعو إلى الانتباه أيها الشباب، يدعو إلى التفكير في الحياة بمنطق وعقل وبصيرة، لا يغرنك بهرج الحياة ولا تغرنّك صحتك وفتوتك وقوتك فتنزلق في مهاوي الردى، وكن حكيما وبصيرا لتعيش دوما وأنت في خير وعافية، أخاطبك أيها الشاب وأسدي لك نصيحة غالية: اعلم أن الحياة منحة من الله عز وجل فعش سعيدا ولا تحوّلها إلى محنة تعصب خلالها عينيك حتى لا ترى من يريد أن يشفق عليك، وتبكي مرارا وتكرارا في كل مرة تتذكر ما حدث لك وتتمنى أن لو رجع الزمن قليلا للوراء حتى تتصرف بحكمة ولكن هيهات هيهات، لا يرجع الزمن وكل ما فات انتهى والأمل في القادم من الزمان فهو لم يحصل بعدُ، نأمل أن يستغله الشباب في ما ينفع الأمة ويصنع مجدها.
الدولة تبني ونحن وراءها نكمل البناء، الدولة تسابق الزمن في البناء ونحن نسابق أنفسنا ونلتزم بالقوانين والإرشادات وبالتالي يحصل التناسق والتكامل والانسجام.