فوزي بن يونس بن حديد
و”اقصد في مشيك” لغة قرآنية تنساب في عقل الإنسان السليم الذي يفقه معنى الحياة ويحاول أن يعيش بسلام، هي وصية لقمان الحكيم الذي يعظ ابنه ويوصيه وصايا ثمينة وهي في الحقيقة وصية كل أب يخاف على ابنه، فلذة كبده، وصية من يخاف على ابنه من حكايا الناس ومن صروف الدهر وعواقب الزمن.
فالقرآن الكريم نبّه الآباء إلى حقيقة ناصعة في علاقتهم مع أبنائهم تتمثل في النصح والإرشاد والموعظة الحسنة، فهم أول من يحتكّ بهم أبناؤهم وعليهم أن يلقنوهم الآداب ويرشدوهم إلى كل ما فيه نفع لهم ويبعدوهم عن كل عمل فيه ضرر واضح، مستخدمين كل الوسائل المشروعة في النصح والإرشاد وما أكثرها حينما يتتبع الأب سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والرسل العظام.
و”اقصد في مشيك” جزء من وصايا متعددة أوردها القرآن الكريم في سياق حوار بين الأب وابنه بل في سياق الموعظة والإرشاد بالحسنى وكان في كل مرّة يقول: يا بنيّ عندما يذكره بشيء، وفي ذلك دلالة على الصلة العميقة بين الأب والابن وهو ما بدأنا نفتقده اليوم رويدا رويدا. فالأب يرى نفسه في ابنه وهو جزء منه لذلك يخاف كل الخوف أن يفتقده في حياته وهو يرى ابنه أمامه جثة هامدة أو جامدا على كرسي متحرك، يذرف دموع الحسرة والندامة ودموع الحزن والكآبة وتظل هذه اللقطات تساوره وتقطع عليه حبل الأماني في أن يعيش سعيدا مع أبنائه وأحفاده إلى آخر رمق في حياته.
الأب يريد أن يكون ابنه نافعا صالحا يطبق القوانين والإرشادات واللوائح، وعندما يراه على هذه الحال تطمئن نفسه وتزداد ثقته بابنه الذي وعده بأن يلتزم بهذه النصيحة الغالية والثمينة، إنه يضع بين عينيه صورة الأب الذي تبدو عليه ملامح الكبر وصورة الأم المشفقة عليه، فإذا كان قلب الأب رهيفا ورقيقا على ابنه، فكيف بقلب الأم؟ لا شك أنه أكثر رقة ورهافة على ابنها، فهي لا تستطيع أن تعيش سالمة وهادئة البال إذا علمت أن ابنها من المتهورين.
فالإسلام علمنا الاعتدال في كل شيء، وأمرنا أن نكون معتدلين في مشيتنا لئلا يدخل نفوسنا الغرور والتكبر والتهور والاندفاع وكلها صفات الشياطين من الإنس والجان، علّمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم آداب الطريق وكيف نسير وماذا نقول في المسير، إنه لأمر يسير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن كانت نفسه قد بطرت معيشتها فهو لا شك قد سلك الطريق العسير لأنه لا يقبل إلا ما يمليه عليه شيطانه ولا يسعى إلى حماية نفسه من التهور والاندفاع.
الاعتدال في السير، لا تهوّر ولا اندفاع، بل سير فيه رفق بالنفس والإنسان والحيوان وحتى النبات، فأنت مسؤول عن كل خطأ تقوم به، مسؤول إذا تسببت في حادث أليم، مسؤول إذا دهست إنسانا أو حيوانا وكنت سببا في إحداث جرح عميق، مسؤول إذا كنت لا تبالي بحياتك وحياة الآخرين، مسؤول إذا كنت تسير بتفاخر وإعجاب وغرور، مسؤول عن كل ما يجري من شرور، مسؤول عن إحداث إرباك وضجيج في الطريق، مسؤول عن تعطيل الناس وتأخيرهم عن أعمالهم، أتدري إذا أنك في خطر وأنك ستحاسب دنيا وأخرى عن هذه المسائل جميعها، فلا تحسبنّ يوما أنك ستفر من العقاب إن تعمدت الإيذاء، وإلى أين ستفر؟
وفي المقابل، لا يمكن أن يسير السائق ببطء شديد وكأن الطريق ملك له وحده، وفي ذلك مضار كثيرة أبرزها تعطيل الناس عن أعمالهم فمن المسؤول عن ذلك، لذلك لا بد من تنبيه السائقين الذين يمشون ببطء شديد من شأنه يعرقل حركة السير فتحدث المشكلات هنا وهناك لذلك كان الشعار ولا يزال: واقصد في مشيك، فهي علامة بارزة في الاعتدال في السير على الطريق سواء كنت على رجليك أو راكبا على راحلة أو سيارة فالأمر سيان والواجب الاعتدال حتى لا يقع الضرار، وتتعقد المشكلات، وتحدث المنغصات، وتكثر الحوادث هنا أو هناك.