إن مشكلة الإزدحام المروري هي محل نقاش دائم وساخن, فمن منا لم يفقد أعصابه وضرب أخماساً في أسداس لأنه أهدر وقتاً ثميناً, وهو يسير الهوينا في طريق سرعته لا تقل عن 100 م/س كل ذلك يحدث وأكثر نتيجة إزدحام الطرق بأرتال متلاحقة من المركبات الصغيرة والكبيرة الحجم تقدر بالآلاف تمضي تباعاً وجنباً إلى جنب في الطريق ذاته وبنفس الوقت والرتم الممل, فالموظف والعامل والطالب وآخرين جميعهم يسعون للوصول إلى مقاصدهم في الوقت المحدد دون تأخير أو إبطاء, فالقاسم المشترك بين هؤلاء هو الشعور بالضيق والضجر جراء المكوث الطويل في زحمة الطريق.
وفي عصرنا هذا عصر السرعة وحيث أن الدقيقة أصبح لها ثمن, يطل علينا وبشكل مألوف خاصة أثناء ذروة الحركة المرورية المعروفة أوقاتها لدى الجميع, هذا المشهد الذي هو من أخطر المشكلات التي عادة ما ينجم عنه سلبيات كثيرة تترتب إنعكاساتها على الفرد والمجتمع.
فمشكلة الإزدحام المروري بشكل عام هي نتاج لعدة عوامل تتمثل في صور عديدة منها زيادة الكثافة السكانية مع زيادة إستخدام المركبات يقابلها تواضع في شبكة الطرق وعدم ملائمتها للزخم المروري المتنامي بإضطراد, وتمركز أماكن الإرتياد كالمصالح الحكومية والخاصة والترفيهية في مكان واحد… وغيرها.
إن الجميع بات يتمنى الخلاص من هذا الهاجس المرهق في أقرب وقت, لذا فإنه ومن الضروري إيجاد حلول فعّالة ممكنة التطبيق, وفي هذا الجانب لا أحد ينكر جهود الحكومة في تحقيق بعض الحلول المشهودة كالتسارع في إنشاءات الطرق والجسور العلوية ورفع كفاءة الطرق القديمة بهدف التخفيف من حدة الإختناقات المرورية وهي جهود مشكورة, إلا أن هذه الحلول تبقى جزء تندرج ضمن حزمة من الحلول المترابطة.
إن من تلك الحلول التي من الممكن الإستفادة منها تتمثل في تطوير وسائل النقل العام “الجماعي” بجعلها منظومة متكاملة مشجعة لعملية النقل الجماعي يستفيد منها القاصي والداني في التنقلات داخل المدن أو خارجها, وبالتالي إنهاء حالة الجفاء والقطيعة بين الطرفين, وللتحفيز نحو إستخدام وسائل النقل العام فلربما سيكون من المناسب التفكير في إيجاد نظام التذاكر متعددة الإستخدام وبأسعار معقولة وتدخل ضمن عملية السحب على جوائز تشجيعية ترصد لهذه الغاية.
ويأتي إستخدام تقنية النقل المتطورة بواسطة الكاميرات التلفزيونية لرصد ومراقبة وتحديد الطرق ذات الإشكالية المرورية من ضمن الحلول, فهي تسهّل للمتابعين سرعة التنسيق المباشر بين الجهات المختصة لحل الإشكالية الناشئة في الطريق بلحظتها, ومن ضمن إستخدامات التقنية أيضاً إنشاء إذاعة مرورية خاصة تبث عبر أثير الراديو لإبلاغ المستمعين عن أحوال الطرق ومتغيراتها وإقتراح الطرق البديلة في حالة وجود عوائق على الطريق, وبالإعتماد على نشرات الإذاعة المرورية سيكون لسائقي المركبات إمكانية إتخاذ قرار أي طريق سيسلكون من نقطة إنطلاقهم كلاً حسب وجهته, ومن جانب آخر توجد بين أيدينا وسائل متاحة للإستفادة منها وهي أجهزة الهواتف النقالة ومن الممكن إستغلالها بإستخدام أنظمة “جي بي أس” المتوفرة فيها والتي بواسطتها ستتيح للسائق معرفة أقصر طريق بين نقطتين زمناً, وبيان أماكن الإختناقات المرورية وغيرها من البيانات التي توفرها عن الطرق في خرائطها وإمكانياتها المتعددة, ويبقى للسائق خيار تحديد مساره بدلاً من إعتياده على سلوك طريق معين دون غيره.
وكمرحلة متقدمة من حزمة الحلول تتمثل في إنشاء القطارات الكهربائية الرابطة بين المدن, فالمشروع العملاق للقطار الذي سيربط بين دول مجلس التعاون الخليجي, يمكن أن يكون لبنة أولى تتفرع منه مسارات داخلية تخدم مدن الدول الخليجية ومنها بطبيعة الحال السلطنة.
ليست مشكلة الإزدحام المروري مستعصية على الحل, فلربما قائل يقول حول إستخدام مثل هذه التقنيات أنه من الصعوبة بمكان علينا تطبيقها, كيف لا وهناك دولاً تستخدمها بالفعل وعلى نطاق واسع وتستفيد منها أيّما إستفادة, وإنما يتطلب الأمر لدينا إعادة تهيئة البنية الأساسية لجعلها تتوائم مع التطبيقات التي تعمل عليها, وبالتأكيد فإن مثل هذه الوسائل ستساهم في حل المشكلة وخصوصاً أن ذلك مطبق ومجرب في العديد من الدول… ويقيناً فإن الدولة لم ولن تبخل على أي مشروع فيه راحة ورفاهية المواطن وتحقق له سيولة المرور الآمن على الطريق, كما وأن هناك فرصة سانحة لتحقيق بعض الحلول من خلال أنشطة لجان التوعية المرورية في المحافظات التي بدورها ستتقدم بها في المسابقة السنوية للسلامة المرورية, وذلك يكون بالمساهمة بإجراء المراجعة الشاملة لتخطيط الطرق والشوارع في النطاق الجغرافي والبحث عن حلول غير تقليدية لعلاج مشكلاتها وإقتراح كل ما من شأنه يصب في هذه المصلحة العامة وتقديمها للجهات المختصة إن كان من غير الإستطاعة تحقيقها من خلال هذه اللجان… ندعوه الله تعالى جل وعلى السلامة والأمان لجميع مستخدمي الطريق “وكل عام وأنتم بخير بمناسبة السنة الميلادية الجديدة”.