لا زال المجتمع يئن تحت وطأة خطورة ونتائج حوادث الطرق جراء السقوط المتتالي لضحاياها فسنة تلو أخرى تزداد الأمور أكثر سوءاً عن سابقتها, فيومياً تقع عشرات الحوادث المؤلمة تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة وروابط التواصل الإجتماعي وأحاديث المجالس, وبالرغم من التحذيرات المتكررة فمعرض هنا وندوة هناك وغيرها من الأنشطة التوعوية الرامية إلى بث الوعي المروري لدى المجتمع, ولكنها مع ذلك تظل هذه الآفة مستمرة على وتيرتها التصاعدية لتسجل وبإصرار غريب أرقاماً تتضخم معها الجداول الإحصائية, بأسباب معروفة تكاد لا تخفى على أحد.
فمنذ بدايات نهضة صناعة المركبات كانت قيادة المركبات آنذاك تعتبر مهنة تخصصية لها قواعدها وأصولها وينظر إلى ممارسي هذه المهنة نظرة إحترام, والآن وبعد أن تغيرت النظرة أصبحت المركبة بين أيدينا مجرد أداة نتعامل معها دون جدية وإحترام بسوء إستعمالنا المفرط لها, فجازتنا بمشاكلها ومآسيها وضجّت مضاجعنا ورمّلت نساءنا ويّتمت أبناءنا ونالت من مقدرات أوطاننا, حتى أصبحت على الإطلاق إحدى أشرس وسائل القتل التي صنعناها بأيدينا.
فنحن كمسلمين.. فما ينبغي أن نعيه جميعاً أن جميع وسائل النقل في الدنيا هي من تسخير الله تعالى، ولولا أن الله عز وجل قد سخرها وذللها لنا ما كنا لنقترن بها وإستخدامها ونستفيد منها, فوسائل النقل في زماننا هذا ومنها المركبات كانت الجمال والخيول والبغال والحمير “أعزكم الله” في غابر الأزمان وهي وسائل للركوب ونقل البضائع للمسافات القصيرة والطويلة, وكان لإهتمامهم بها أن تغنوا بمفاتنها وجمالها ونسجوا قصصاً وأساطيراً عنها ودخلت مفرداتها في حكمهم وأمثالهم, حتى الصغير منهم كانت تظهر عليه دلالات التحكم الكامل بها لأنه تعلم الطريقة الصحيحة في كيفية التعامل معها.
لا شك أن الجميع يتطلع إلى التقدم والتحضر والرفاهية ولكن ليس عن طريق ما دأب عليه البعض من زركشة للمركبات ووضع الملصقات والعبارات والصور والزوائد غير الضرورية عليها وإساءة إستعمالها بالسرعة والتخميس وغيرها من التصرفات الخارجة عن إطار القانون, فالدول المتقدمة ما وصلت إلى ما هي عليه من إنخفاض في مستوى حوادث الطرق, إلا لأنها سارت وفق قوانين وضوابط وضعتها لأنفسها لضبط الطرق وألزمت الجميع على إحترام سيادة وقدسية تلك القوانين.
فإذا ما أردنا السير في ركب تلك الدول ونعبر إلى بر الأمان متجاوزين هذه المأساة, فعلينا أن نقف وقفة جادة وقفة إمعان وتمعن في مسألة إستخدام المركبة, لأن إساءة إستعمالها فيه ضرروترويع لمستخدمي الطريق الآخرين والمساس بمقدرات الوطن, ومثلما كان الأوائل يعتنون بدوابهم لأنها وسيلتهم في حلهم وترحالهم, فعلينا أيضاً الإعتناء بوسيلة نقلنا “المركبة” لضمان قيادتها بصورة آمنة على الطريق وضمان سلامتنا وسلامة الأشخاص من الحوادث التي تسبب الإعاقات أو الموت في الكثير من الأحيان, فتدابير وقائية بسيطة تجاه مركباتنا كالحرص على وسائل الأمان الواجب توافرها فيها وحسن إستعمال المركبات بشكل عام, يمكن أن يساهم بإيجابية في خفض عدد الحوادث وما قد يصاحبها من وفيات وإصابات, إلى جانب إلتزامنا الصريح وفقاً للقوانين التي تنظم إستخدام الطريق والمركبة فهذا السبيل يبقى الأنجع نحو خفض نسبة الحوادث المرورية ووفياتها وإصاباتها بشكل كبير! “بإذن الله”.