منشور مجلة العين الساهرة
العدد 132 يناير 2013م
الآن وبعد نحو 4 سنوات وتحديداً في 18 أكتوبر عام 2009م من تفضل مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – بحديث أبوي لأبناء شعبه تناول فيه الشأن المروري بشفافية مطلقة نابعة من القلب وتصل إلى القلب…. وهذا ليس بمستغرب من لدن جلالته, فلا زال لسان العالم يلهج بالشكر والعرفان لدور جلالته الريادي على الصعيد الدولي في وضع قضية السلامة على الطرق على جدول أولويات الجمعية العامة للأمم المتحدة وتشكلها كنقلة نوعية, مما تمخض عنها تنامي الحراك العالمي وتكاتفه نحو مواجهة مآسي حوادث المرور على الطرق.
والآن وبعد هذا الطرح ماذا تغيّر في سلوكياتنا بتعاملنا مع المركبة والطريق؟ والجواب على ما يبدو بمرارة الأسى لا شي! فنحن على ما يبدو لم ندرك بعد مخاطر القضية التي تهدد أمننا وسلامتنا, فالسلوكيات الخاطئة التي قد ترتكب أثناء إستخدام المركبة على الطريق قد تؤدي إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها, فالأخطاء التافهة قد ينجم عنها نتائج غير تافهة, ولا سيما أن العام 2012م قد تجاوز إجمالي حصاد العام الفائت 2011م من الحوادث والوفيات والإصابات, وفي ظل هذا التصاعد في المؤشرات الإحصائية, وفي سبيل الحرص على سلامتنا وسلامة الآخرين فإن الفرد منا بحاجة إلى تغيير سلوكياته بقدر أكبر من الوعي والتوجيه والسلوك المسؤول المنضبط للنظم والقوانين والإجراءات التي تحد من الحرية المطلقة في سلوكيات الفرد منا على الطريق, منها ما يتعلق بتحسين السلوك في القيادة من خلال التوعية بكافة أنواعها وأشكالها, ومنها الحزم المطلوب في تطبيق النظم والقوانين.
وإلى جانب ذلك, فإننا بحاجة أيضاً إلى تشخيص علمي يعنى بتحليل الخصائص النفسية والإجتماعية وغيرها المتعلقة بقيادة المركبات وكيفية التعامل معها, ومحاولة تفسير ظاهرة النسب العالية لمعدلات الحوادث والمخالفات المرورية, من منطلق أن سلوك قيادة المركبات جزء لا يتجزأ من السلوك العام للإنسان, الذي بدوره يتأثر بالخصائص الأساسية لشخصية الفرد وبالقيم والعادات الإجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع وبمرحلة التطور الحضاري الذي يمر به, بما في ذلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية, فالنمط السلوكي لقيادة المركبات يمكن حصره في عاملين هما سلوكيات مقبولة وآمنة وإن كانت قليلة, وسلوكيات المخاطرة في القيادة وهي الأكثر شيوعاً, ويتأثر هذا النمط السلوكي بعوامل فردية تتعلق بالإدراك والمعرفة والدوافع والإتجاهات وخصائص الشخصية, وعوامل إجتماعية وهي القيم والمعتقدات والعادات الإجتماعية التي تحدد السلوك, وعوامل حضارية ويقصد بها ثقافة الشخص وتعلمه وعمله الوظيفي.
فسلوكنا الحركي من أفعال وتصرفات وحركات مختلفة ولفظية وتعبيرية أثناء قيادة المركبات, فإنها لا يجب أن تحيد أبداً عن سلوكياتنا النابعة من ديننا الحنيف الذي ننتمي إليه وهو عماد ثقافتنا ومبادئنا, وذلك بإتباع السلوك المهذب الذي لا يؤذينا أو يؤذي الآخرين, وأن نضع في الإعتبار بأن قيادة المركبات ليست عملية ميكانيكية كما هو الحال في الآلات الصناعية بل أنها إستعمال وسيلة تقنية خطرة تنقل البشر وتتنقل بينهم وتقتل وتصيبهم بأضرار إذا ما أسيء إستعمالها, وبأن لا تكون علاقتنا بهذه الوسيلة علاقة جفاء فلا نعتني بصيانتها أو نستخدمها بطيش ورعونة وإستخفاف بأرواحنا وأرواح الآخرين, فالسلف كانوا يعتنون بدوابهم التي هي وسيلة حلّهم وترحالهم فكانت علاقتهم بها علاقة سلوكية تقوم على القيم والمباديء, وحين يرد ذكر الأنعام في القرآن الكريم فإنما يرتفع بذلك شأنها وتعلو مكانتها, فكل وسائل النقل التي سخرها الله تعالى جعلها لتكون نافعة للإنسان وتمده ببعض أسباب الحضارة, ولهذا فإنه يجب أن نتعامل مع المركبة بسلوك أخلاقي وحضاري, فالمشاة بشر ولهم حق الحياة والتمتع بمباهجها ولا بد من المحافظة على حياتهم بالإحترام وإيلائهم الحق في العبور الآمن للطريق, وعلينا كسائقين أن تكون علاقتنا مع غيرنا من السائقين علاقة تقوم على أسس مبنية على الإحترام المتبادل والتعاون على الطريق, وليست على أسس عدوانية تتسم بالعناد والمس من الكرامة حركياً ولفظياً والتعدي على أحقية المرور للغير وأولويته, فإستنفار العصبية بإنفعال وتوتر تجاه مستخدمي الطريق من سائقين وركاب ومشاة, يدل على أنماط نفسية مريضة وغير مستقرة في السلوك, ناتجة عن عدة عوامل تشمل العديد من المشاكل التي تؤثر على القدرة في ضبط السلوك, منها تعاطي المؤثرات العقلية, وحساسية السائق تجاه القانون والقائمين على تنفيذه, فالقوانين المرورية لم توضع عبثاً أو لخدمة رجل المرور أو ضد شريحة دوناً عن الأخرى, بل أنها وضعت من أجل الحفاظ على التنظيم وخدمة الوطن وكل من يعيش على ترابه, وأما الطريق فهو سبيل متاح للجميع, فلنعطه حقه وهو حق جليل كبير.. وعلينا جميعاً أن نعيره حقه بالإلتزام والتقيد بأنظمة وقواعد وآداب المرور والعمل على ضبط النفس والسلوك وعدم التهور, ومراعاة أولويات المرور أثناء سيرنا على الطريق, مما ينعكس ذلك على تحقيق السلامة المرورية لجميع مستخدمي الطريق .