فوزي بن يونس بن حديد
لما كانت النفوس تقودها الضمائر الحية لم تحتج الدول لاختراع أجهزة تضبط حركتهم في الشوارع ، لأنها كانت موقنة أن الشعوب الواعية يقودوها العقل والمنطق لا العاطفة وحبّ الظهور والتهور واللامبالاة، فشتان بين شعب يستمتع بحياته ويعلم أن الحياة منحة ونعمة كبرى فيسعى بكل السبل إلى الحفاظ عليها وبين شعب لا يكترث بحياته فيتهور ويعبث بالقوانين والأنظمة والإرشادات واللوائح .
هذه النفوس كانت شغوفة تمشي على استحياء، تراقب نفسها ولا ترقب في الله إلّا ولا ذمة، إذا مالت عن الحق ارتدعت وآبت إلى جادة الصواب، لا ترى إلا بنور الله عز وجل التي منحها السعادة والحياة، فإذا كانت هناك مراقبة ذاتية دائمة للإنسان توجهه وترشده وتنبهه وتحذره ولا تزين له خطوات الشيطان ولا تلبس الدرن وتتعطر بالالتزام بما أمر الله جل شأنه ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإنه قد أمن بوائق الحياة.
ولما زاغ الإنسان عن الطريق السوي، ولم يرد الاستمتاع بالحياة وما خلق الله عز وجل في عصرنا من شتى أنواع وسائل الرفاهية للتنقل بين المدن فأصبح يستهتر بإشارات المرور ولا ينظر إلى علامات الطريق ويدوس بكل قوته على دواسة البترول ويراوغ الناس بتهوّر مخيف في الشارع وكأنه في ملعب كرة القدم، فكم من لاعب يتمكن من مراوغته حتى يأتيه لاعب صنديد يوقف زحفه ولو بطريقة خشنة فيتأذى ربما في رجله فتكسر لأنه كان مغرورا بنفسه، ظن أنه يستطيع وحده أن يسجل الهدف دون مساعدة من أحد، ولكن من أوقف زحفه علّمه درسا لن ينساه وهو أن التعاون في اللحظات الحرجة يحقق الهدف.
ولما أراد السائق أن يستهتر ويعبث ويلهو ويبتعد عن كل مؤشرات الحياة الآمنة المستقرة، كان على الدولة أن تفكر جديا في معاقبته وتسهر على أمن أرواح الناس الآخرين الذي وضعوا جل ثقتهم في رجال الأمن ليضبطوا حركتهم إن هم زاغوا عن الطريق.
وكان لا بدّ من وضع حلول للمشاكل التي تتفاقم يوما بعد يوم، من حوادث مفجعة وأرواح مزهقة، وإصابات مرهقة، فانقلب الرقيب الذاتي إلى رقيب إلكتروني يوضع وسط الطريق يراقب سرعة السائق من بعيد، كيف يتصرف؟ هل يلتزم بالسرعة المحددة أم أن الأمر لا يعنيه؟ إنه يعنيه بالفعل لأنه سيدفع في كل مرة تجاوز فيها السرعة المطلوبة وسيضطر في النهاية بعد التضييق عليه أن يرضخ لقانون الطريق.
وقد يشتكي الناس من وضع الرادار في الطريق بدعوى أن الشرطة همّها جمع المال وإلا بم تفسّر وضعها في منحدرات؟ نقول إن نظام الرادار نظام بديع يضطر السائق القيادة بتأنّ عجيب، والدولة عندما تضع هذا الجهاز في الطريق لا لترهق المواطن بدفع الغرامات ولكن هدفها الأساس هو ضبط المتهورين وإفساد لهوهم وعبثهم بحياة وأرواح الناس أجمعين، ووضعها في المنحدرات أمر يقتضيه الشارع فقد يكون في منحدر وقد يكون في مرتفع فلماذا تنظر للمنحدر وتحتج عليه ولا تنظر للمرتفع وتباركه، فالأمر ليس هذا أو ذاك، الأمر مرتبط بمسافات معينة بين جهاز وآخر تتقيد به الدولة لئلا يكون فيه إجحاف لأحد، وأنا مقتنع تماما أن الدولة ستنزعه يوما إذا التزم كل سائق على الطريق بالقوانين والنظم المرورية ولا يحيد عنها قيد أنملة ويوطّن نفسه على الرقيب الذاتي ويفعّله، عندئذ فقط نستطيع أن نقول إن الدولة لم تعد بحاجة إلى مثل هذه الأجهزة.
والشرطة فكّرت وتدبّرت ونظرت وقالت إن الأمر اليوم لا يحتمل، ولا تستطيع أن تراقب كل سائق على الطريق، تركت في البداية الأمر له إلا أنه تمادى في غيّه وتهوّره وأصبحت لدينا أرقام مفزعة أجبرتنا على التدخل سريعا لإنقاذ الآمنين.
ألا أيها السائق المنيب راقب نفسك حتى لا تحيد، ووطّنها على حبّ الالتزام ففي ذلك كل الأمان لك ولعائلتك ولجميع الناس، فطوبى لمن أراد أن يعيش بسلام ويا لخسارة لمن فقد روح الحياة.