حوادث المرور على الطرقات ظاهرة باتت شائعة في أنحاء العالم طالما أن هناك مستخدمي طريق (سائقين, ركاب, مشاة) وطرق ومركبات.
ومن المعلوم أن ظاهرة الحوادث المرورية لا تحكمها قوانين ثابتة وهي ظاهرة نسبية متغيرة حيث يتم إعتماد مؤشراتها على أسس متفاوتة في أغلب الأحيان, بسبب أن أرقامها ومعدلاتها وأسبابها ليست واحدة فهذه المؤشرات تحكمها عوامل عديدة تؤدي بها تارة إلى الإنخفاض وتارة أخرى للإرتفاع, فمثلاً هناك أسباب مباشرة مرتبطة بالعوامل الجغرافية والعمرانية وما إلى ذلك, وأيضاً لها أسباب غير مباشرة ترتبط بثقافة المجتمع وسلوكيات مستخدمي الطريق, وعلى هذا لا يمكن التعويل دائماً على مؤشرات محددة يمكن بناءً عليها الحكم بشكل دائم عن الأسباب الرئيسة المؤدية للحوادث المرورية, فالظروف دائماً ما تكون متغيرة, بالرغم من مسؤولية العناصر المعروفة في وقوع الحوادث المرورية “العنصر البشري, المركبة والطريق” والتي تسهم بشكل منفرد أو مشتركة مع بعضها بنسب متفاوتة في هذه الحوادث, وتقع بالدرجة الأولى على العنصر البشري أهمها على الإطلاق, وأخرى على المركبة, وثالثة على الطريق, وأحياناً بسبب سوء الأحوال الجوية وهي نسبية إلى حد ما, ومع ذلك فإن هذه المسؤولية لا تتوزع بالتساوي أو تكون ثابتة على الدوام لا في الزمان ولا في المكان لأنها تختلف من فترة لأخرى ومن مكان لآخر كماً وكيفاً.
فالسلطنة واحدة من بين الكثير من الدول التي تعاني من ظاهرة حوادث الطرق وتتأثر تأثراً كبيراً بما ينتج عنها من خسائر بشرية ومادية حالها كمعظم الدول التي تستهدف مجتمعاتها حوادث الطرق في أهم مقومات الحياة وهي العنصر البشري, ولم يحدث أن توقفت الحوادث المرورية في أي عام عند حد معين أو إنخفضت نسبتها إلا ما ندر, وهي نسب تكاد لا تشكل فارقاً كبيراً.
وإذا كانت الزيادة هي السمة التي تميز الحوادث المرورية خصوصاً في السنوات الأخيرة, فإن مسألة إرتفاع نسبها تبقى مرتبطة بأسباب وعوامل عديدة غالباً ما تتحكم في إتجاهاتها, وتجعلها تقترب من الظاهرة حتى وإن إنخفضت المعدلات في بعض الفترات فهذا الإنخفاض لا يلبث أن يعاود الإرتفاع مرة أخرى, ومن حيث الأسباب فإن معظمها تؤول مباشرة إلى السرعة الزائدة المرتبطة بالحوادث بشكل كبير نتيجة سلوك شريحة معينة من السائقين الذين يجدون في السرعة العالية هواية ومتعة, وبالعموم إلى عدم التقيد بقانون المرور والنظم والإرشادات المرورية وهذا الأمر يرجع إلى ضعف الثقافة المرورية لدى السواد الأعظم من مستخدمي الطريق, فالثقافة المرورية تشكل ضابطاً مهماً للسلوكيات على الطريق وتؤثر في أنماط إستخدامه إما سلباً أو إيجابا, وأسباب أخرى تتعلق بالزيادة السكانية والطبيعة الجغرافية لمناطق التوزع السكاني, والزيادة السنوية بالآلاف لعدد المركبات المستخدمة للطريق, والزيادة أيضاً بالآلاف للسائقين الجدد الذين ينزلون إلى الشارع سنوياً… وغيرها من الأسباب المرتبطة بهذا الجانب.
وتأسيساً على الواقع المروري.. فخلاصة القول أن الوضع الذي تفرضه علينا حوادث الطرق مرفوض جملة وتفصيلا, مع إدراكنا بأن هذه الظاهرة ليست مشكلة قاصرة علينا نحن فقط, بل هي مشكلة عالمية تطال الجميع وتمس إنعكاساتها السلبية المصالح العامة قبل الخاصة, كيف لا وهي تأبى إلا أن تخلف وراءها سنوياً قتلى ومصابين وخسائر لا تعد ولا تحصى وتظل مغروسة كشوكة في خاصرة المجتمع, وهذا ما لا يُطمح إليه على صعيد خفض الحوادث المرورية والتخفيف من ما يستتبعها من نتائج.
الجهات المعنية بالشأن المروري وعلى رأس القائمة شرطة عمان السلطانية, لا تألوا جهداً في مواجهة هذه الظاهرة والتخفيف من حدتها والآثار الناجمة عنها ضمن الإمكانات المتاحة, وغيض من فيض فقد عملت على ضخ الكوادر البشرية للعمل في المجال المروري وسخرت آليات العمل المروري لاسيما في الأداء الميداني, وحرصت على تعزيز سبل وإجراءات فرض الرقابة والضبط المروري المحكم على حركة السير بنشر الدوريات المرورية وتكثيف المراقبة الرادارية, وتطبيق الإجراءات الردعية تجاه المخالفين للأنظمة المرورية على الطرق لضمان السلامة المرورية للجميع, وإتخذت كافة التدابير اللازمة للحد من أخطر الأسباب المؤدية للحوادث وأشيعها إنتهاكاً للقوانين وهي السرعة المبالغ فيها من قبل بعض السائقين, هذا إلى جانب برامج التوعية المستمرة على مدار العام, وبما أن “اليد الواحدة لا تصفق” -كما يقال-فالحقيقة الميدانية أنه من الصعوبة بمكان الجزم الوصول إلى نتيجة مرضية على الإطلاق لإستئصال شئفت هذه الظاهرة نهائياً مهما كانت الإمكانيات مسخرة طالما هناك طريق ومركبة ومستخدمين, فحوادث الطرق من أعقد وأخطر المشكلات الإنسانية، الإجتماعية والإقتصادية التي تواجه المجتمعات، ولكن تبقى نظرياً إمكانية التخفيف من آثارها السلبية وحدة تسارع وتيرتها على أقل تقدير, وذلك يتأتى بتضافر كافة الجهود وتكثيفها وإستدامتها بمشاركة الجهات الحكومية والخاصة والمجتمعية للتقليل من هذه الظاهرة وجعلها في حدودها المعقولة, وهذا المسعى يكون بالتأثير المباشر على العنصر البشري الذي تقع عليه المسؤولية في أكثر من 80% من حوادث الطرق, لجعله يدرك بأنه قد يكون عرضة للحوادث في كل وقت من أوقات إستخدامه للطريق بصفة سائقين أو ركاب أو مشاة, وذلك من خلال تكثيف الحملات التوعوية على نطاق واسع وبمشاركة الجميع, بهدف تزويد هذا العنصر بطاقة نفسية وعقلية تنظم إتجاهاته السلوكية على الطريق, فالكثيرين ممن يحملون رخصاً للسياقة لا يعون أبسط أسس السياقة الصحيحة ناهيك وغياب الثقافة المرورية لدى معظمهم, وبطبيعة الحال فإن التوعية المرورية لوحدها لا تكفي وإنما يتطلب الأمر تطبيق القانون بكل صرامة ضد المخالفين لحملهم على الإمتثال لقوانينه وإحترامه, فتطبيقه يعتبر الحصانة والحل الأنسب للتخفيف من حوادث الطرق, وعلى هذا الأساس فإن التوعية وتطبيق القانون توأمان في هذه المعادلة. فلا بد من مشاركة الجميع في جهود التوعية.. ولا بد من فرض القانون بصرامة وتقبل بعض العقاب القاسي.