فوزي بن يونس بن حديد
أحمر.. قفْ، أخضر..سرْ، أصفر تمهّل، لغة تعلّمناها صغارا، وما زال صغارنا يتعلّمونها، وينشدونها، حتى إن طفلتي الصغيرة كانت تنشد هذه الأغنية عندما توقفتُ عند الإشارة الحمراء، ثم لما تحولت الإشارة إلى الأخضر قالت: انطلق، هي لغة العالم شرقا وغربا ومن أقصاه إلى أقصاه.
لغة الإشارة هي ثقافة مرورية عجيبة، تنظم المرور دون الحاجة لوجود شرطي طول الوقت لمراقبة حركة السير، ثقافة يجب أن ننميها عند الأجيال حتى يفقهوا هذه الرموز ويتعاملوا معها بحضارة تنمّ عن تمسّك هذه الأجيال بالقيم والمبادئ التي تحفظ النفوس من الشرور، ولعلكم تدركون جيدا أهميتها في حركة السير في الشوارع وخاصة في التقاطعات التي تستدعي فعلا إقامة نظام يضبط السائقين.
تصوروا شوارع بدون إشارات ضوئية ماذا يحصل فيها؟، فوضى عارمة وأعصاب متوترة، وتداخل في خطوط السير، وتجاوز للحدود، وربما تحدث حوادث في كل لحظة من الزمن، تقاطعات لا يمكن أن تنظمها إلا إشارات المرور، حتى تسير الأمور بانسيابية كاملة، فهي ثقافة عالمية لا بد من التعامل معها بحضارية كاملة.
ولكن أستغرب ممن لا يحترم هذه الثقافة، ربما ظنها ضرب من اللعب، أو أنها تكبت وتحدّ من حريته في الحركة، أو يكون عمله استهتارا من نفسه اتباعا لخطوات الشيطان أو تحديا للقوانين واللوائح والإرشادات، عددهم قليل وأثرهم كبير لا سيما إذا صاحبتها حوادث مؤلمة، فحفظ النفس قالب ديني أمر المولى عز وجل بالحفاظ عليه، هذه الروح ليست ملكا لنا لنعبث بها كيفما شئنا بحركة طائشة أو نزوة عابرة فهي أمانة في أعناقنا، لذلك جعل الإسلام هذه الروح التي بين جنبينا أمانة في أعناقنا وجعلنا خلفاء له في الأرض، فإذا حافظنا على الأمانة فقد صنناها، وصننا أعراضنا من هتكها بهذه الحوادث البشعة نتيجة تصرف لا مسؤول، وإن ضيعناها فقد خنا الله تبارك وتعالى وويل لمن خان الأمانة.
فالإشارات الضوئية وإن كانت فعلا تساهم بإيجابية في تسيير الحركة المرورية، فهي تعبر عن قيام الخبراء في العالم بأعظم اكتشاف لضبط السير على الطرقات، هذا الاكتشاف كان له أثره العظيم في حفظ النفس من القتل وتعرضها للاصطدام، وهي ضمان وصمام أمان من الفوضى العارمة التي كانت ستحدث لولا وجود مثل الأجهزة والآلات وهي لا شك نعمة من نعم الله الكبرى التي يجب على العبد أن يشكر الله عز وجل عليها.
ورغم ما تمثله هذه الإشارات من حضارة وثقافة عظيمة، إلا أننا نجد من يتحدى ويعتدي، ونجد من لا يبالي، ونجد من لا يحب الثقافة والحضارة، ونجد من يتسبب في الفوضى، ونجد من يتسبب في قتل الأبرياء، ونجد من يقوم بحركات بهلوانية ومزحات ثقيلة لإبراز عضلاته أمام الجمهور، لديه قوة يريد أن يفرغها في الطريق، ولا يبالي بنتائجها، فكان لا بد من إيجاد طريقة أخرى تحدّ من بهلوانيتهم وبراعتهم الوهمية، كان لا بد من حلّ سريع لحفظ الأنفس من هذا التهور البليد الذي بدأ ينتشر في طرقاتنا وكان أنجع حل هو تثبيت آلات تصوير عند الإشارات لرصد أي حركة خارجة عن نطاقها القانوني والحضاري، ولو التزم الجميع بما تعنيه هذه الإشارات لكان الأمن هو السائد، يرى الإشارة الحمراء تشتعل من بعيد ويمضي وكأنه يسير وحده في الطريق ويرى الإشارة الصفراء تحذره فيزيد من سرعته حتى يتجاوز الموقف عوض أن يخفض السرعة ويستعد للتوقف.
هذه شذرات عن حالة الطريق وتبدو فيه الإشارات حارسا أمينا على الحفاظ على حياة الإنسان وهي الشرطي الرقمي الموجود طوال الوقت وفي خدمة مرتادي الطريق.