د. رجب بن علي العويسي
يشكل الالتزام محور العمل في المعادلة المرورية، ومرتكز الوصول إلى قيادة آمنة ، ولقد أصبح البحث في موضوع الالتزام المروري اليوم أحد الاستراتيجيات التي اتجهت إليها المؤسسة الشرطية في بناء وعي مروري، وترسيخ ثقافة السلامة على الطريق، واتخذت في ذلك خطوات نوعية مستفيدة من التوجهات العالمية بما يتناسب وطبيعة الظروف ويتقاسم مع الهوية الوطنية ومنظومة المبادئ والاخلاقيات محور العمل المشترك، ولقد انتهجت شرطة عمان السلطانية خطوات نوعية في استيعاب التحديات التي تواجه العمل المروري، من خلال تأكيد دور التوعية والتثقيف المستدام في ظل تنوع قنوات التوعية وتعدد الأساليب، وبناء أطر مقننة للشراكة المجتمعية في المساهمة معا في الحد من الحوادث المرورية ، عملا بالتوجيهات السامية التي كانت بمثابة منطلقات لبناء استراتيجية وطنية للمرور، وخلق سلوك مجتمعي فاعل في التعامل مع مستجداته، وتأتي أجهزة الضبط المروري وتكثيف نقاط المراقبة المرورية، والتواجد المستمر لعناصر ودوريات المرور على الطرق السريعة وغيرها، ضمانا لتحقيق الالتزام وتفعيل نمط القيادة السليمة وترسيخ ثقافة الوعي في المجتمع، كما اتخذت “كاسرات السرعة” كأحد أبرز الأساليب المستخدمة في المناطق السكنية أو الطرق الداخلية وشوارع الخدمات والأحياء السكنية لضمان تحقيق السلامة ونشر مظلة السعادة للقاطنين بها، لقد أظهرت المؤشرات والاحصائيات المرورية تحولا نوعيا في قدرة هذه الاجهزة على ضبط السلوك المروري على الطريق وتوفير مظلة الأمان لقائد المركبة ومستخدم الطريق، إذ أن اشكالية السرعة الجنونية والتي كانت الأكبر من بين مسببات الحوادث المرورية أو الاصابات والوفيات، بدأت تضعف في ظل وجود هذه الأجهزة، وأثبتت فاعليتها في تعزيز مساحات أكبر من الهدوء في استخدام الطريق، كما عززت من فرص الشعور بالرقابة الذاتية وأعطت أنموذجا ايجابيا في خلق سلوك ايجابي على الطريق، إلا أن وجود هذه الأجهزة بلا شك يتطلب أيضا من الآخر ( قائد المركبة أو مستخدم الطريق) الالتزام بمعايير الأداء وأنظمة العمل ، خاصة أنها جاءت لرصد الحالة المرورية وإيجاد نوع من الجزاء أو العقوبات لكل ما يتجاوز القانون أو يتجاهله، في ظل ما ترصده من مخالفات مرورية ومبالغ مالية جاءت في ظل انتفاء عملية الالتزام من جهة، وسلوك اللامبالاة من البعض في التعامل مع هذه الأجهزة، وبمعنى آخر مستوى ادراك البعض للقيمة المضافة المترتبة على هذه الاجهزة في تحقيق حياة آمنة مستقرة ، تحافظ على حق الانسان في الحياة والعيش بأمن وأمان، وبالتالي كان لانتفاء الالتزام من قبل قائد المركبة أو مستخدم الطريق سبب في ترتب المخالفات، والتي بدأ البعض يتعامل معها على أنها الهدف الرئيسي من وجود هذه الأجهزة.
إن واقع وجود أجهزة الضبط المروري يشير إلى وجود تحول في سلوك التعامل مع الطريق، ولعله مدخل لتحقيق معايير الالتزام في ظل رقابة الذات والشعور بالمسؤولية، والمسألة في الأساس قائمة على كيفية قراءة هذه الأجهزة، بمعنى: أن نظرة قائد المركبة أو مستخدم الطريق هي من يحدد موقع هذه الأجهزة في ذاته، فإن نظر إليها على أنها سبيله لتحقيق الالتزام وبناء مناخات الثقة في نفسه وقدراته، وخلق تحول في ممارساته وتأكيد على منطق الوعي، وأن وجودها هو السبيل لتحقيق قيادة آمنه ، وبالتالي يرتقي في تعامله معها وتوظيفها لصالحه ويبني في ظلها منطلقاته للسعادة ، ويُعلي من القيمة المضافة الناتجة عنها في ظل الهدر الحاصل في المورد البشري الوطني الناتج عن الحوادث والسرعات، وتصبح قناعاته القادمة حول وجود هذه الأجهزة أنها جزء من حل المشكلة، ووجودها في ظل واقع استخدام الطريق ضرورة إنسانية، وبالتالي أن يجد فيها سبيله نحو بلوغ جودة الممارسة في الطريق، عندها ستكون له دافعا نحو التزام أفضل الممارسات الريادية المرورية الراقية التي يشكل التزامه وانضباطه أهم أدوات تحققها، ولعل هذه النظرة الايجابية هي المدخل الذي بنيت عليه الاستراتيجية المرورية التي شارك فيها المجتمع بكل أطيافه ومؤسساته، وكان للشباب حضورا فاعلا فيها ، علما بأن الكثير من المقترحات التي قدمت لشرطة عمان السلطانية في الحد من الحوادث والسرعات والتي من بينها ” إيجاد أجهزة الضبط المروري وتفعيل عملها لتشكل بدورها رادعا لكل ما يتجاوز السرعات القانونية المحددة ، ناهيك عن أن التقييمات المستمرة للوضع المروري والدراسات التشخيصية التي أنجزت في هذا الشأن وضعت هذا البديل كأحد المدخلات لضبط الممارسة المرورية وتعميق الشعور المجتمعي بقيمة الحياة، وفي المقابل فإن ما يطرحه البعض عبر شبكات التواصل الاجتماعي حول أجهزة الضبط المروري ليس في خطأ وجودها أو انكار أهميتها، بل في طريقة استخدامها من البعض ، كأن يضغط على الفرامل قبل وصوله إليها” – وهو سلوك بدأ يتلاشى في الفترات الأخيرة – على أن المسألة أيضا مرتبطة بالنواتج المترتبة على هذه الأجهزة كما أشرت وهو – المبلغ المالي المتحصل منها بسبب عدم الالتزام بمعايير ادائها- وهو ما شكّل لدى البعض حديثا وهاجسا عبر هذه القنوات التواصلية ، وبعض التذمر خاصة مع تراكم هذه المبالغ لمدة عام- وهي المدة المحددة لتجديد المركبة .
وبالتالي فإن تناولنا لأجهزة الضبط المروري يستدعي البحث في أبرز الموجهات العامة لعملها والتي تستدعي تغيير القناعات الذاتية في وجودها، فهي بلا شك ليست المشكلة، بل أنها وجدت كحل للمشكلة، وهي مع بدائل أخرى وأساليب متعددة تعطي اليوم مؤشرات إيجابية بأثرها الفاعل في تحقيق بعض الأهداف، ويوم أن يتحقق تفاعل الجميع مع معايير أدائها وتتناغم الممارسات الحاصلة على الطريق مع محددات وجودها، عندها سوف يجني الجميع ثمار النجاح، وعود على بدء فإن الحديث عن أجهزة الضبط المروري مدخل للتأمل في جملة من الموجهات، التي ينبغي أن يضعها قائد المركبة ومستخدم الطريق أمام مراجعاته الشخصية حول هذه الأجهزة، والتي من بينها:
المسؤولية الشخصية، إن قناعة الفرد بأنه مسؤول عن حماية نفسه ووقايتها من أي ضرر يلحق بها، أحد الأولويات التي يفترض أن تبعث في النفس شعورا بالحاجة التامة إلى الالتزام بقواعد السير وأخلاقيات القيادة ، إذ أن الحوادث المرورية وما تسببه من آثار إنما هي تعدي عن الحياة وتجاوز لحقوقها، وتنازل عن حق العيش والأمن الذاتي ، ولذلك فإن الهدف الذي جاءت خلاله هذه الاجهزة هو المحافظة على الانسان، وتقديم العون والمساعدة له في تمكينه من العناية بنفسه والمحافظة على حياته. إن هذا الشعور عندما يتولد في النفس ويثبت في القلب، سوف يبني في ذات الفرد أملا بالقيمة النوعية التي تقدمها هذه الأجهزة كأحد الأدوات التي يضبط الفرد خلالها مسارات حياته.
الالتزام فيه الأمان، الالتزام حياة، وهو الطريق الموصل لتحقيق الغايات وبناء روح قادرة على التعاطي مع واقع الطريق وأحداثه، بل أصبح مفهوم الالتزام بقواعد المرور وأنظمة السير دليل على رقي المجتمع، وقدرة أفراده على التعاطي مع مستجدات الطريق وأخطاره، وما من شك فإن أجهزة الضبط المروري تحمل في ذاتها معيار الالتزام بالمدى المتاح للفرد أو قائد المركبة في السرعات، وهي تعمل عندما يتجاوز هذا المدى، والمسألة بلا شك لا تخضع للتقديرات الشخصية بل تراعي فيها الكثير من المعايير سواء من حيث كفاءة الطريق أو اتساعه أو انسيابيته أو عدد المركبات التي تمر به أو مستوى اقترابه من المناطق السكنية ومدى وجود المنحنيات أو المنحدرات والمرتفعات، وهي أمور لا تخضع لمعايير الفرد ومزاجيته، بل تؤطر وفق معايير دولية، وتقوم شرطة عمان السلطانية بالتنسيق مع جهات الاختصاص في تحديد هذه السرعات، كما أن ما يتم رصده من عدد الحوادث في فترة زمنية معينة وتجاوزها للمعقول منها، يضع من مسألة تحديد هذه السرعات محسومة بأنظمة ولوائح ومعايير، وهي أيضا تخضع لمتابعات مستمرة من قبل المنظمات وفرق العمل المعنية بالطرق والسرعات والسلامة على الطريق.
لم يكن وجهود هذه الأجهزة لذاتها، بل كانت حل لمشكلة باتت تؤرق المجتمع ، بكثرة الحوادث المرورية وزيادة عدد الوفيات والاصابات الخطرة المترتبة عليها، وهو أمر جعل من جهات الاختصاص بالدولة البحث عن أطر تستفيد خلالها من التوجهات العالمية والاقليمية ومبادرات دول الجوار في هذا الجانب، على أن مسألة وجود هذه الأجهزة لم تكن وليدة الصدفة أو عمل طارئ، بل كان وجوده في العديد من الدول المتقدمة وغيرها من فترات بعيدة ، سبقت السلطنة في تطبيقها في طرقاتها، ومع تنوع أشكالها إلا أن وظيفتها كانت واحدة وهي تقديم العون لقائد المركبة في تغيير سلوك القيادة وتمكينه من فهم القيمة المضافة المترتبة على وجودها، ولذلك أتاحت فرص مبررات وجودها والواقع المروري الذي تمر به السلطنة في فترات سابقة، وبالتالي علينا أن نصنع مرحلة من التحدي معها بترقية ممارساتنا وتأكيد التزامنا المروري واحترامنا للمبادئ والقواعد المرورية، القادرة على ترسيخ قناعة ذاتية بالعمل على تصحيح ممارساتنا على الطريق. على أن ما ينبغي الإشارة إليه، أن تواجد هذه الأجهزة في الطرق من حيث التركز والعدد في العديد من الدول وبعض الدول المجاورة يفوق ما وضع منها في شوارع السلطنة وطرقاتها في نفس مواصفات الطرق من حيث الطول والاتساع.
التزامي سعادتي وحياتي، عندما يضع الفرد أو قائد المركبة في ذاته هذا الشعار، طريقه في التعامل مع الطريق فيلزم بناء على رغبة وشعور ذاتي وحس، بقيمة نفسه وحقها في الحياة، ويعترف أنه في حال عدم الالتزام، سوف يترتب على عدم التزامه مخاطر على النفس وتضييع لحقوق الاخر، وتنطبع قناعاته وافكاره ومشاعره على تأكيد هذا المبدأ، عندها سوف يصبح الالتزام طريقه لخلق تحول في ذاته وممارساته المرورية، هذا الشعور يرتبط بمرحلة من الممارسة التأملية والاستفادة من المواقف وتذكر الحالات السابقة التي ارتبطت لديه بعدم الالتزام، على أن الالتزام ذاته ينبغي أن يرتبط بمعايير يضعها الفرد في نفسه بحيث يمنع نفسه من بعض السلوكيات اثناء القيادة مثل : ( عدم استخدام الهاتف أثناء القيادة، وعدم التجاوز الخطر، وعدم تجاوز الاشارة المرورية الحمراء، وغيرها)، وفي الوقت نفسه عليه أن يجد في بعضها كواجبات مثل : ( ربط حزام الأمان، والالتزام بالسرعات واللوائح المحددة، ووجود رخصة قيادة سارية المفعول، واحترام الطريق واخلاقيات المرور، ووجود تأمين للمركبة، ومعرفة بدلالات اللوائح والتعليمات الموجودة على جانبي الطريق ، وغيرها)، وبالتالي يضع من نفسه أنه أمام سلوك عليه أن يتعامل معه بجدية ويتفاعل مع متطلباته بأريحية، ويشعر في ذاته أنه لا يقوم بسلوك الالتزام لشخص معين أو نظرا لوجود دورية مرورية، بل سلوك ذاتي ورقابة داخليه تنظر لمسألة الالتزام في ظل ما تقدمه للفرد نفسه من خير، وما تبنيه فيه من اتجاهات. ويدرك أن هذا الالتزام يتطلب منه استحقاقات معينة عليه أن يقوم بها بدافع ذاتي ورغبة أكيدة.
المرونة في تطبيق النظام المروري، إن المتتبع للنظام المروري بالسلطنة، وما يرتبط باستراتيجية المرور يجد بأنها تعمل على تأكيد منحى الشراكة المجتمعية، والاستفادة من رأي المواطن والشباب خاصة في تعزيز الممارسات المرورية الايجابية، وأن يسهم المواطن سواء من خلال المقترحات والرؤى التطويرية أو من خلال المبادرات الجادة التي يشارك فيها المواطن، في كل مجالات العمل الشرطي، وهي تتلمس في جهود الشراكة طريقها نحو التحسسين والتطوير والمراجعة وإعادة النظر في الكثير من القرارات المتخذة بهذا الشأن، وهناك أجهزة رصد دورية تعمل على رصد كل الملاحظات وتبويبها ودراستها ومناقشتها بشكل مستفيض، ولقد أتاح التفاعل الشرطي المنفتح عبر شبكات التواصل الاجتماعي وموقع شرطة عمان السلطانية وموقع الادارة العامة للمرور رصد العديد من المقترحات الجادة القابلة للتنفيذ ، وتدارسها من قبل المختصين كما يتم توجيه بعضها إلى الجهات الأخرى المشاركة للشرطة في هذا الجانب، ويقوم معهد السلامة المرورية بدور فاعل في تعريض هذه الملاحظات والتعريف بها في أثناء تنفيذ البرامج التدريبية حول القيادة واخلاقياتها والسلوك في الطريق وغيرها كثير. وبالتالي فإن المرونة حاضرة في عملية التنفيذ وراعت الظروف والاحوال، ومنظومة القيم والاخلاقيات والمبادئ في الكثير من الحالات، فمثلا: تجاوز اشارة حمراء، فإن عقوبتها السجن في حين أن القائمين على المرور سواء الادارة العامة للمرور وعلى مستوى المحافظات راعت في تعاملها مع هذه الوضع ظروف المواطنين مع كتابة التعهد بعدم تكرار ذلك ، وهو من باب تأكيد المرونة المقدرة للظروف والمتكيفة مع طبيعة المتجاوز للقانون نفسه، على أن مسألة المرونة تمتد أيضا في عدم سحب رخص القيادة على الرغم من زيادة عدد المخالفات المرورية، وهو أمر معمول به في دول مختلفة من العالم ، كل ذلك مراعاة لإنسانية المواطن على هذه الارض الطيبة، وعونا له على تعديل سلوكه وتغيير ممارساته، بالرغم من المطالبات أيضا بإيجاد جزاء رادع لكل من تعددت مخالفاته المرورية إما بسحب رخصة القيادة، أو إضافة بعض النقاط السوداء في ملفه المروري.
تخفيض السرعات في بعض الطرق، تشير المتابعة المرورية لحالات الطرق في دول مختلفة من العالم إلى أن بعضها يعمل على خفض السرعات في بعض الطرقات حتى في المسارات التي تصل في بعضها إلى أكثر من 3 حارات، لتصل إلى 100 كم ، ومع أن من بين الملاحظات التي أشارت إليها منظمة الصحة العالمية في تقييمها للوضع المروري بالسلطنة إلى وجود بعض الطرق التي تصل السرعة فيها إلى 120 وهي في الأساس ينبغي أن تكون 100، ومع ذلك تعمل الجهات المختصة بشرطة عمان السلطانية على تأكيد منحى المرونة والانسيابية في الطرق، فلم يتم أن قللت السرعة في الطرق التي كانت تصل فيها إلى 120 لتكون 100 فقط، مراعاة لمشاعر المواطن، وفي الوقت نفسه يصاحب ذلك جهود أخرى تقوم على تقييم حالة الطريق في فترة زمنية متواصلة حتى تثبت عدم استيعابه لهذه السرعات أو تأكد الخطورة الناتجة عنه، وبالتالي تبنى عملية التغيير في السرعات بناء على رصد مستمر ومؤشرات وضوابط مقننة، هذا الأمر يعكس بلا شك روح التناغم والمرونة في التعامل مع استراتيجيات العمل المروري بالسلطنة، وهي تعكس حالة التناغم مع رغبة مستخدم الطريق نفسه والنظر إليها كأولوية، وبالتالي أن يضع قائد المركبة او مستخدم الطرق من نفسه طريقا لفرض السلطة وتطبيق القانون بحسن استخدامه للطريق ورقي مستويات الذوق في التعامل مع متطلباته، وأن يكتشف هذه المرونة أن لو كانت ممارسته بعكس ذلك وتجاوزت حدود الاخلاق والمبادئ والعرف المروري ذاته، ولعل من أتيحت لهم فرص الاطلاع على تجارب العالم في الطريق وفرص الدراسة والسفر وغيرها، يجد مستوى المرونة واضحة، في حين لا يجد مقارنة في طريق تعامل قائد المركبة في تلك الدول المتقدمة مع الطريق واستخدامه. إن ممارساتنا في الطريق ما زالت غير قادرة على المنافسة من حيث قدرة القائد المركبة على توظيف الطريق واستخدامه والتعامل معه، ونظرته اليه ومستوى احترامه للنظام والتزامه بقواعد السير، وهنا يشير البعض إلى أهمية أن تنتهج شرطة عمان السلطانية نُهج التشدد في التعامل مع المتجاوزين للقانون. إن الوصول إلى هذه المرحلة، لا شك تصنعها أيدي الناس وممارساتهم ليصبح الحل هو الاتجاه إلى مزيد من القوة في الاجراءات.
إجراءات وقائية في المناطق السكنية، تأتي الرؤية الوقائية التي انتهجتها شرطة عمان السلطانية فيما يتعلق بالوضع المروري، ليؤكد على أن ما اتخذته الشرطة من اجراءات في التعامل مع الوضع المروري في المناطق السكنية والحارات الداخلية ، إنما يأتي في إطار تقييماتها المستمرة ورصدها لحالات الدهس أو غيره، وما يصلها من وجهات نظر وأطروحات ومقترحات ومخاطبات ولقاءات، بأهمية ايجاد آليات محددة في التعامل مع الوضع المروري في هذه المناطق، سواء من خلال تركيب أجهزه الضبط المروري، أو تركيب كاسرات السرعة ، خاصة مع تزايد اشكاليات دهس الأطفال وكبار السن وطلبة المدارس، وبالتالي كان لهذه الاجراءات مبررات واضحة في ظل حالات التهور والعشوائية التي يمارسها البعض في الطريق وأثناء القيادة، ولذلك كان رأي المجتمع حاضرا في هذه المسألة، ولعل النقاشات والمداولات والمخاطبات ونتائج التوصيات التي قدمتها ندوة السلامة المرورية إنما استندت على هذا التنوع في المصادر ، والتشارك المجتمعي في تبني آليات واضحة في التعامل مع حالات السرعة التي تشكل النسبة الأكبر في المعادلة المرورية. لذلك كانت هذه الاجراءات جزء من الحل ، وطريق لمراجعات مستمرة، فإن المتتبع أيضا للنتائج المترتبة عليها يجد بأن هناك انخفاضا في حالات الدهس . وتشير بعض الاحصائيات والمؤشرات في هذا الجانب في مجال الاصابات، إلى أنه عندما تقل السرعات عن 60 في المناطق السكنية، فإن نسبة التعرض لإصابات خطرة تقل ، والعكس، عندما تزيد السرعة عن 60 فنسبة التعرض للإصابات القوية تكون أكثر أي أن نسبة الوفيات والاعاقات المزمنة تكون أكثر.
عليه فإن ما ينبغي التأكيد عليه، والحديث عنه، هو البحث في كيفية ترقية تعامل الفرد مع القيادة على الطريق وأنظمة ولوائح المرور وما يتبعها من التزام بالسرعات المحددة، وإدراك القيمة النوعية التي ستضيفها له هذه الأجهزة، كموجهات للذات والرقي بها، والقناعة بأنها وجدت من أجل صالح الإنسان، وأن وجودها يتطلب منه الالتزام والمسؤولية والحرص على جعلها مدخلا للممارسة الايجابية وادارة الذات وخلق فرص أكبر للمراجعة والتغيير، عندها لن يكون لهاجس القلق والخوف والارتباك أي وجود، فلم يكن وجودها لذاتها، بل لتأكيد معني الرعاية والحماية التي يجب أن يحظى بها إنسان هذا الوطن وبذلت أجهزة الدولة المختلفة في سبيل تحقيقها الكثير من الموارد والجهود وسخرت في سبيل استدامتها الكثير من القدرات تحقيقا للأهداف التنموية العليا، إنها بذلك فرصة لبناء ذات قادرة على تقبل المسؤولية والشعور بحجمها في النفس، وبالتالي فإن بناء قناعات ايجابية راقية حول هذه الاجهزة والهدف منها والغايات التي تحققها على مستوى الشخصي، كفيلة بمنح النفس فرصة فهم الحاجة اليها، وإدراك مسببات وجودها، وآلية عملها والسلوك المطلوب نحوها، ومعايير أدائها والانجازات المرتبطة بها، فتتعمق في ذاته قناعات أخرى تتجاوز الحالة السوداوية لهذه الأجهزة ، على أن وضعها كمدخل لمظنة عدم الالتزام والحرية المطلقة في التعامل مع الطريق بدون مراعاة لمعايير الالتزام والاخلاق والمشاعر والظروف والمتغيرات الممكن حدوثها، امتثلا لدواعي النفس وجنون السرعة؛ تعبير واضح عن ضعف ضمير المسؤولية ” وهو ما باب الافساد الذي نُهي عنه المسلم في كل حين ، ولا شك فإن الطريق يمثل اليوم أحد البيئات التي ينبغي أن يتعامل معها الانسان برفق وان يمشي فيها بترو ووفق الأنظمة والقواعد حتى تصبح له ولحياته طريقا للبناء وتحقيقا للسعادة، فإن البحث في أسباب غير مقنعة في إبعاد السلوك والممارسة الشخصية عن كونها سبب الخطأ، إنما هو مدخل لتضييع حق النفس وحق الطريق وحق المركبة وحق مستخدم الطريق وحق الدولة في ما شرعته من قوانين وأنظمة ترعى النظام وتحافظ عليه، وعندما يضع الإنسان من نفسه طريقا للحصول على تحقق الرغبة والوصول إليها بدون اي اعتبار لكل من لهم علاقة بأمن الانسان وسعادته؛ عندها لن يتحقق هدف وجود الأنظمة والتشريعات الضبطية سواء كانت المتعلقة بالمرور أو غيرها.
من هنا فإن قصر نظر البعض على الجانب السوداوي لهذه الأجهزة والمبالغ المتحصلة منها جراء عدم الالتزام بالسرعات المحددة، وما يثيره من مصطلحات ومفاهيم مغلوطة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها بشأن هذه الأجهزة، لا تخدم الصالح المروري العام الذي يفترض الالتزام في كل مساراته، وهو ما ينبغي أن تتكاتف نحوه جهود الجميع، فإن تأكيدنا على قيمة الوعي بما تؤديه هذه الاجهزة يرتبط بلا شك بقدرة الانسان نفسه على ضبط سلوكه وتحسين ممارساته وتغيير قناعاته واعادة صياغة جذرية في طريقة تعامله مع الطريق والمركبة واللوائح وهذه الأجهزة بلا شك جزء من احترام نظام المرور والفقه به وفهم غاياته، وليسأل كل منا نفسه ماذا لو لم توجد هذه الأجهزة؟ وماذا يعني سلوك السرعات الخيالية التي نعرفها جميعا قبل تركيب هذه الأجهزة ، والتي رصدت في بعض الطرق الرئيسية، ثم لنختار بين حياتنا وأمننا، وبين ممارسة جنونية متهورة تنتج موتا أو إعاقة، إن علينا أن نمتلك إرادة التغيير من ذواتنا، والبحث عن الآلية التي يمكن أن نكون فيها خير معين لهذه الأجهزة أن تعمل بكفاءة، وأن تضع حدا لسلوك الاستهتار، فلنكن إذاً ما يقود نجاحاتها، ونُثبت خلالها للجميع أننا لسنا بحاجة إليها لأن ممارساتنا المرورية الراقية أصبحت مثالا وأنموذجا يتجاوز حدود قدرات ما ترصده هذه الأجهزة. عندها سوف ينتفي وجودها.. فهل نحن على استعداد لذلك؟
وأخيرا .. علينا أن ندرك قيمة الحياة وعظم النفس، وواجب المحافظة عليها، فإن انسان اليوم بحاجة وفي ظل عصر السرعة أن يجد في ثقافة الهدوء والتأمل والانتظار المصحوب بجودة النتائج، طريقه للمعالجة، ومنهجه لإعادة صياغة ممارساته، وكّف النفس عن إيذاء النفس خير ما ينبغي أن توجّه له جهود الإنسان، كما أن الالتزام مرحلة من العمل وفق المعايير والشروط، وعندما يجد قائد المركبة أو مستخدم الطريق في نفسه، أنه مهيأ لتحمل تبعاته؛ فإن النتيجة ستكون مغايرة تماما، إذ لا حوادث ولا إصابات ولا استهتار أو تجاوز أو تعدي على الحق، فنحن ننفق أموالنا في دفع حق هذا التجاوز، ونجد في ذلك بأنه قصم الظهر وعظم المصيبة بالرغم من أنه أمر متغير وقابل للزيادة والنقصان، لكن علينا في المقابل أن ندرك حق النفس الذي لا يمكن تعويضه او استبداله، فلنعي بأن دفعنا لهذه المخالفات عربون التزام ونتيجة استخفاف عندما نظلم أنفسنا وحياتنا بممارسات مميته وسلوكيات مقيته.