د.رجب بن علي العويسي
يشكل الوعي المجتمعي اليوم أحد موجهات عمل التنمية الوطنية وتحقيق الاستدامة في برامجها، وسعيها نحو توفير الحياة الكريمة للإنسان، لذلك اتجهت رؤية التطوير في مؤسسات الدولة نحو تبني أطر تصحيحية متعددة نابعة من طبيعة الدور المتغير والمستجدات التي يعيشها المجتمع، والتطورات الحاصلة في السلوك بما يسهم في تقليل حالة الفجوة بين طبيعة النواتج التي تحملها للفرد وبين مستوى القناعة والرغبة لديه بتوجيهه بالاستفادة من الفرص والوقوف مع الأهداف الوطنية العليا، وتعمل شرطة عمان السلطانية كغيرها من مؤسسات الدولة على تحقيق الأمن الاجتماعي الشامل للفرد من خلال ابتكار آليات جديدة تسهم في تعميق تفاعل الفرد مع القوانين والأنظمة ولوائح العمل والتوجهات الجديدة التي تستهدف حمايته وتحقيق مصالحه ووقايته من المخاطر وتقليل خطر تعريضه للمؤثرات التي باتت تشكل جزء من حياته اليومية كالسلامة على الطريق والوقاية من الفكر السلبي وتعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية في ذات الفرد ، عبر أساليب توعوية تتناغم مع طبيعة الفرد وتنسجم مع معطيات الواقع وتستشرف مستقبله لتؤدي دورها الحيوي في تغيير القناعات وتمكينه من الاستثمار في الفرص المتاحة.
من هنا تؤدي عمليات التوعية الشرطية دورا مهما في سبيل بناء سلوك إنساني قادر على التعامل مع متطلبات الحياة اليومية ومعطياتها ومواجهة التحديات برقابة ضمير وسعة ثقافة وتفوق مهارة وسمو تفكير ورصانة منهج وعمق تأمل وانتقاء الممارسة الأفضل النابعة من قناعة ذاتية تتوافق مع الذوق العام وتحترم الخصوصيات، وفي المقابل دور المؤسسات في اختيار أساليب توجيهية قائمة على تقديم المعرفة بالأثر والنتيجة كمرحلة مهمة في تقويم العمل المنجز وإعادة صياغة جديدة لأسباب ومسببات الممارسة وتصحيح مسارها منذ البداية ، بمعنى أن ما انتهجته شرطة عمان السلطانية في عملية التوعية والتثقيف بشأن السرعة مثلا يأتي استجابة لخطاب المرحلة ورؤية أعمق في طريقة معالجة السلوك المروري وتأصيل ثقافة السلامة على الطريق بما يعني توجيه قائدي المركبات وفئة الشباب خاصة نحو البحث الذاتي عن الأسباب لتدارك نتيجتها السلبية على الفرد والمجتمع، في وقت تشير فيه الإحصائيات المرورية إلى أن السرعة من أبرز المسببات الرئيسية للحوادث المرورية وهي السبب المباشر لأكثر الممارسات المرتبطة بالمخالفات المرورية، من هنا يأتي تنوع الخطاب التوعوي الشرطي واتجاهه نحو تعميق العلاقة مع فكر الشباب واهتماماته كجزء من رؤية تصحيحية للمعالجة وإضافة نوعية لجملة الإجراءات المتعددة التي اتخذها جهاز الشرطة سواء المتعلقة بالطريق أو المركبة أو الأنظمة وقانون المرور والاستراتيجيات المتخذة في الحد من السرعات أو كذلك في آليات التوعية ومَؤسَستِها في عمل المؤسسة، والذي سيكون له أثره في تخفيض نسبة الحوادث المرورية بنسبة تزيد عن 30% مستقبلا من خلال تحسين مستوى العلاقة بين السلوك الإيجابي والحافز في تحقيق ممارسة راقية تفوق التوقعات وتُشعر الفرد بحجم الاستقرار الفكري والنفسي والأمني، وكما هو معلوم في الدراسات التربوية والسلوكية والنفسية بأن تقديم الحافز المعنوي وعبارات التعزيز وذكر الصورة الإيجابية التحسينية والإيحاءات المعبرة التي يتوقع أن تكون السبب في معالجة المشكلة والتعامل مع الموقف أحد أهم الأساليب التي ينبغي العمل بها في بناء شخصية الأجيال وتعزيز الثقة في ذات الفرد وتحمله المسؤولية ، وهي بحد ذاتها خطوة نوعية قائمة على الابتكارية واقتناص موجهات تتفاعل مع السلوك وتقترب من الشباب ومستويات تفكيره وتحاول أن ترصد الصورة المكبرة المتسعة حول قضايا السرعة وغيرها بعيون الشباب لمزيد من التأمل في ممارساتهم وتصرفاتهم.
إن شعار ” شكرا على تقيدكم بالسرعة” تعبير واضح عن الحس الوطني بما تتطلبه هذه المرحلة من تحولات في الخطاب التوعوي والتثقيفي وتعزيز منابر الحوار والتواصل والشراكة مع الشباب لتمكين الخطاب من التأثير في معالجة قضاياهم وتغيير قناعاتهم، ومؤسسات الدولة في قطاعات التعليم والتثقيف والأمن والصحة والفكر والتدريب والثقافة والشباب وغيرها معنية اليوم بأن تنطلق في مناهجها التوعوية من مداخل تعميق الممارسة الإيجابية وتزويد المخاطبين بموجهات قادرة على تصحيح مسار العمل ذاتيا، فإن على المعلمين وخطباء المنابر الوعظية والأسرة والكتاب والمثقفين وصناع الكلمة والعلماء وغيرهم أن يقوموا بمسؤوليتهم في تأسيس خطاب متجدد يتكيف مع طبيعة التحولات الحاصلة في سلوك الفرد ومعطيات الحالة العمانية بكل خصوصيتها وتميزُّها.