د. رجب بن علي العويسي
يأتي الثامن عشر من أكتوبر “يوم السلامة المرورية ” ليعيد إلى الذاكرة قصة تحول موضوع السلامة على الطريق إلى رؤية وطنية واستراتيجية عمل أعطت توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه إشارة البدء فيها لعمل وطني مشترك وجهد مؤسسي مبتكر، والسلطنة وهي تحتفل بيوم السلامة المرورية وقد تحقق في هذا المجال الكثير من الانجاز وبرزت فيه العديد من الجهود والمبادرات الوطنية وترسخت لدى أبناء الوطن القناعات الايجابية حول السلامة على الطريق؛ فإن تقييم الحالة المرورية يعكس اليوم مستويات راقية من العمل الوطني الجاد والمبادرات الطيبة التي تبنتها مؤسسات الدولة وهي على مستوى تدني عدد الحوادث تشهد تقدما إيجابيا، كما أن تعاطي الشباب مع السلوك المروري يظهر عليه المرونة والشعور بقيمة الالتزام واهتمام واضح بمتابعة أخبار الطريق ورغبة في تحقيق الالتزام الذاتي.
هذه النتائج تبرز اليوم القيمة النوعية التي جاء من أجلها يوم السلامة المرورية معزز بالمبادرات والأطر التنظيمية واللوجستية الأخرى ، فأصبح محطة للتقييم والمراجعة وإطار عمل للمقارنات بين فترة زمنية وأخرى ومناخ عمل تلتقي فيه كل الجهود وتتبادل خلاله وجهات النظر وتنمو فيه الأفكار، وتتعزز فيه النماذج الايجابية المضيئة والمبادرات التطويرية، كما ارتبط وجوده بمجموعة من الفعاليات المتمثلة في إعلان نتائج مسابقة السلامة المرورية بمختلف مستوياتها، ويأتي في إطاره معرض السلامة المرورية الذي تبرز خلاله الابتكارات والممارسات الايجابية الرائدة وفرص التحسين المستمر ، وتعزز فيه دور الشباب وطلبة المدارس وموظفي المؤسسات في التعريف بالابتكارات والبرامج والمواقع الالكترونية والمبادرات الفردية والمجتمعية والاصدارات والمنشورات التي تؤصل لثقافة مرورية سليمة وتبرز خلالها قيمة السلامة كإطار عملي تنطلق منه رؤية التطوير القادمة في مجال السلامة على الطريق، ومنطلق للتعرف على سير الخط الزمني للتطوير المروري ومستوى ارتباطه بالتحولات الحاصلة في المجتمع وثقافة الشباب وغيرها، وبالتالي يضع لهذا التطوير خطوط عريضة لشراكة مؤسسية معززة بالخبرات والتجارب . كما إن حضور الطفولة في فعاليات يوم السلامة المرورية وما تؤديه من أهمية في تحقيق الهدف وما تبرزه إصدارات أدب الطفل والرسومات والقصص، والكاركتير وغيرها تجعل منه محطة تقييم أخرى للأخذ بأيدي أبناء الوطن وبناته لتنمو لديهم ثقافة مرورية تترجمها اليوم أنشطة الشرطي الصغير والمدينة المرورية للأطفال وملحق الشرطي الصغير.
ومع التأكيد على القيمة النوعية التي تبرزها هذه النتائج على مستوى الاداء في واقع العمل المروري وما اتخذته شرطة عمان السلطانية من خطط تطويرية واضحة وبدائل مساندة وآليات تتفاعل مع طبيعة التوقعات المرغوبة في الشباب والوعي الاجتماعي، إلا أن هذه المراجعة والتقييم يجب أن تضع الشباب والمجتمع في مستوى الجاهزية الذاتية للتعامل مع الواقع المروري، فإن المأمول أن تثمر هذه النتائج عن تغيير في تعامل الفرد مع مفهوم السلامة المرورية وتغيير القناعات وتأصيلها في سلوكه من خلال ترقية أخلاقيات الطريق لديه وحرصه على إعطاء الطريق حقه وجعل الطريق ثقافة حياتية وقيمة يومية أخلاقية ينبغي أن يتعهدها بالرعاية والعناية والتطوير ويتعامل معها بمعايير الذوق، ويبذل جهدا في سبيل بلوغ الأهداف وترجمتها في واقع حياته من خلاله احترامه لقواعد السير وفهمه لمسؤوليته في الطريق، وتعهد ذاته بالتعلم المستمر والاستفادة من التوجيهات وما يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإذاعة والتلفزيون والصحافة في كل ما من شأنه ترقيه الثقافة المرورية وربطها بسلوك الفرد وتفاعلها مع ذاته. فإن حسن إدارة الفرد للواقع المروري والقيادة على الطريق وتفاعل مع حيثياته وأحواله وظروفه تعبير عن ثقافة راقية وسلوك يعكس مستوى التحضر الذي يعيشة المجتمع، مما يعني أهمية التعاطي مع المواقف المرورية في إطار تكاملها وتوازنها وعدم استصغار أي ممارسة قد تؤدي إلى إيذاء النفس أو الآخرين كحالات التهور والتجاوز الخاطئ والتباهي ببعض الممارسات على المركبة والطريق ، ليكون الالتزام شعورا ذاتيا وفطره طبيعية لا ترتبط بوجود أجهزة الضبط المروري الثابتة أو المتنقلة، بل بالنظر إلى المرور في إنسانيته التي تستحق التقدير والاحترام.
إن احتفاء السلطنة بيوم السلامة المرورية وقبلها أي بتاريخ 17/ 10بيوم ” المرأة العمانية ” ليضع المرأة أمام مسؤوليتها في تعزيز الوعي وتأصيل ثقافة السلامة على الطريق وأن يبرز دورها كأم وأخت وزوجه وموظفة وقائدة مركبة في مدى قدرتها على تغيير ثقافة الأبناء وترسيخ مفاهيم ايجابية لديهم وإزالة المصطلحات السلبية التي يتداولها الشباب حول المركبة والطريق والمرور ودور عناصر المرور وما يرتبط بذلك من ممارسات تتنافى مع المقبول، فإن ما تؤديه المرأة العمانية في سبيل وقاية المجتمع من آثار الحوادث المرورية وتعزيز ثقافة الطريق يبرز حالة التكامل في المسؤولية ويعكس الأهداف الوطنية العليا والرؤية السامية من الاحتفاء الوطني بهذه الأيام.