فوزي بن يونس بن حديد
في كل يوم، تدور الأحداث نفسها، يستقلّ الموظف سيارته متجها للعمل، يفتح نافذة يومه بالأخبار فيجدها موتا وقتلا ودمارا وخرابا، يحوّل وجهته إلى إذاعات أخرى حسب المقاس، منهم من يهوى إذاعة القرآن الكريم، ومنهم من يحوّل وجهته نحو الموسيقى والطرب، يلهي نفسه في مشوار الطريق الذي بات يؤرّق الجميع، طريق ليس بالطويل، ولكنه يأخذ كل يوم منا الوقت الكثير، ازدحام شديد سواء للمتجهين شرقا أو المتجهين غربا، كلهم يريدون الوصول بسلام، وكلهم يأملون الوصول إلى الدوام، وكلهم لا يريدون الخصم إذا تأخر عن الدوام.
قالت الدراسات إن الازدحام المروري يورث الاكتئاب، يجعل السائق عرضة للأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم، والسكري والقلق والاندفاع، مما يسبب تهورا في السياقة وربما تعّديا على المركبات الأخرى، قد يتصرف أحدهم بغضب فيتجاوز من جهة اليمين، يحدث إرباكا شديدا للمركبات، ملّ الانتظار طويلا، يرتكب مخالفة من العيار الثقيل، قد تصادفه إحدى مركبات الشرطة فيقع أسيرا للمخالفات، أو يحدث أحدهم ضجّة بموسيقاه الصاخبة فيقلق من حوله ومن يريد الهدوء في ذلك المكان، ازدحام لا مبرّر له أحيانا سوى تصرف خاطئ لبعض المركبات.
من يقود بتهوّر مخطئ لا محالة، ومن يسوق ببطء شديد مخطئ أيضا لا محالة، لا نفكّر أن من يقود مركبته 60 كم / الساعة في شارع يسمح بمرور المركبات التي تزيد سرعتها على 110 كم / الساعة هو سائق مثالي، بل هو سائق يعرّض نفسه والآخرين للخطأ، وقد يتسبّب بطؤه في حوادث مميتة، وقد لا ينتبه لأفواج السيارات التي تتكدّس وهي مسرعة للدوام كل صباح، فمثل هؤلاء يسبّبون الاكتئاب والازدحام معا، وإذا حدّثته لا يعجبه هذا الكلام، وقد يتفوّه بكلمات بذيئة في الصباح، وتركه يفعل ما يشاء لا شك غمّة تصيب من كان وراءه بلا شك، فلا تنفعه إضاءات المصابيح التي يطلقها إنذارات، ولا صياح مكبّرات الصوت، هو حرّ كما يقول في نفسه يفعل ما يشاء.
والسؤال الذي يطرح هنا، هل فعلا نحن نحتاج إلى ثقافة في المرور بالمركبات، فليس كل من يحصل على رخصة يقود مركبة، فالقيادة إن كنا نحسبها فنّا، فينبغي علينا أن نجيد هذا الفن ولا نصيّرها عبثا يثير المواجع ويغضب المارّين، فالقاعدة الفقهية الأصولية لا ضرر ولا ضرار تبقى عالقة بالأذهان، يريح كل منا أعصابه وهو في الطريق، ولا يرتكب كل يوم يأتي فيه للعمل ذنوبا وسيئات، فقد يشتم هذا ويعتدي على هذا بقصد أو بغير قصد، نحتاج إلى القيم والمبادئ قبل تطبيق القانون والمخالفات، فما وُضع القانون إلا لردع المخالف المتعمّد، فليس من الجرأة أن تلعب بمركبتك فهي وسيلة نقل خلقها المولى عز وجل لتنقلك من مكان إلى مكان.
وخوفا من الاكتئاب اليومي الذي يصيب الموظف قبل وصوله الدوام، لأنه يورث الكسل والخمول فيحتاج إلى منبّهات تخرجه من هذه الحالة التي تترصّده كلما حلّ يوم جديد، يحاول أن يفهم أن الناس طبائع، وما قدّره الله سيكون لا محالة، يهدأ ويحاول تهدئة نفسه كلّما نظر إلى اعوجاج، ويمشي بهدوء وعليه السكينة ويحيّي الناس من حوله بابتسامة الصباح، وفي نفسه دعوة إلى الجهات المعنية بإيجاد الحلول للازدحام المرير الذي يحيك بالسائق كل يوم فيخرجه عن طوره مرة، ويعرضه للانهيار مرة أخرى، فبتطبيقنا لقانون المرور وصبرنا على الآخر تسير الأمور وفق ما رسم لنا الشارع، ولا يفكّر أحدنا أن هناك عصا سحرية تقلب الوضع رأسا على عقب بين يوم وليلة، فالأمر يخضع للدراسة.