أ.د. حسني نصر
تستحق الجهود الكبيرة التي تقوم بها الإدارة العامة للمرور بشرطة عمان السلطانية أن يسلط عليها المزيد من الضوء، وان تخرج إلى العلن بشكل أكبر وبكل الوسائل الممكنة، ليس فقط تقديرا لهذه لتلك الجهود المخلصة، ولكن أيضا لتعزيز الدور التوعوي في مجال السلامة المرورية، والذي لا يكتمل إلا إذا قام كل فرد في المجتمع بدوره في تحقيق هذه السلامة.
يرجع لأسبوع المرور الخليجي الموحد الذي اختتم الأسبوع الفائت الفضل في اهتمامي الشخصي بما تقوم به الإدارة العامة للمرور. فالمؤكد أن التغطية الصحفية والإعلامية الواسعة لفعاليات وأنشطة هذا الأسبوع التي شهدتها جميع محافظات السلطنة تقريبا، جذبت انتباه وأثارت اهتمام الناس بالتوعية المرورية. وهنا لا بد أن نشيد بالدور الكبير الذي تقوم به إدارة الإعلام المروري التي أمنت لوسائل الإعلام المحلية كما كبيرا من المواد الصحفية والإحصاءات، التي تمثل ثروة معلوماتية يمكن البناء عليها وتقديمها في قوالب إعلامية متعددة عبر المنصات الإعلامية المختلفة التقليدية منها والجديدة.
وقد قادني الاهتمام بأسبوع المرور الخليجي الموحد إلى الموقع الالكتروني للإدارة العامة للمرور لاكتشف انه يمثل كنزا معلوماتيا ليس فقط في توفير معلومات ومعارف متعددة حول الإدارة وحملات التوعية المرورية التي تقوم بها والدراسات والبحوث المتصلة بالمرور، بالإضافة إلى الإحصاءات والمكتبة التفاعلية والآراء والخدمة الإخبارية المتميزة للحوادث المرورية. والواقع أن أبرز ما يقدمه الموقع في تقديري هو ذلك الكتيب الذي أصدرته الإدارة العامة للمرور بمناسبة أسبوع مرور مجلس التعاون، وحمل عنوان حقائق وأرقام. هذا الكتيب الذي يقع في 18 صفحة ومتاح على الموقع يحمل مجموعة كبيرة من الحقائق والأرقام الإحصائية التي ينبغي علينا وضعها أمام القارئ والكشف عن دلالاتها.
ولعل أول وأهم هذه الأرقام هو ارتفاع مستوى الرضا الجماهيري عن أداء الجهات المعنية بالسلامة المرورية وفقا للاستطلاع الذي قام به المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. وقد بلغ مستوى الرضا 94 بالمائة، مع تفاوت بسيط بين نسبة الرضا لدي العمانيين التي بلغت 89 بالمائة ولدي المقيمين التي ارتفعت لتصل إلى 97 بالمائة. ويمكن تفسير ذلك بالمقارنات التي يعقدها المقيمون بين مستوى السلامة المرورية في السلطنة وبين مستواها في بلدانهم، وهو ما يؤكد تميز الخدمات المرورية في عُمان. واللافت في هذا الأمر ارتفاع نسبة الرضا في محافظتي البريمي والوسطي ومسقط ومسندم والظاهرة وشمال الشرقية فوق مستوى 80 بالمائة، وانخفاضها في محافظات ظفار وجنوب الباطنة وشمال الباطنة وجنوب الشرقية لتتراوح بين 75 وبين 78 بالمائة. ورغم أن نسب الرضا تبقي مرتفعة وآمنة بوجه عام، فإن هذا التفاوت الملحوظ يجب يكون دافعا للإدارة العامة للمرور لبحث أسبابه والعمل على تحسين خدمات السلامة المرورية في المحافظات التي انخفض فيها مستوى الرضا.
ثاني الإحصاءات المهمة التي يقدمها الكتيب كانت حول الحوادث المرورية التي وقعت في كافة محافظات السلطنة خلال عام 2015، والتي بلغت 6279 حادثا بانخفاض 7 بالمائة عن عام 2014. وقد صاحب هذا الانخفاض انخفاضا مماثلا في الحوادث التي نتج عنها وفيات بنسبة 15 بالمائة، وانخفاض عدد المتوفين بنسبة 17 بالمائة، وانخفاض عدد المصابين بنسبة 6 بالمائة. وتبدو هذه المؤشرات الإحصائية مبشرة إذا علمنا أن إجمالي وفيات الحوادث المرورية آخذ في الانخفاض التدريجي في السنوات الأربعة الأخيرة، وان وفيات العام الماضي التي بلغت 675 حالة، انخفضت بنسبة تقارب 50 بالمائة مقارنة بوفيات العام 2012 التي كانت 1139 حالة وفاة، وهو ما يؤكد نجاح الحملات التوعوية في تغيير سلوكيات قائدي السيارات ومستخدمي الطرق بوجه عام، من جانب، ونجاعة الجهود التي تقوم بها الإدارة العامة للمرور من جانب أخر.
من الإحصاءات ذات الدلالة أيضا، والتي يمكن أن نبني على أساسها الحملات التوعوية والخطط المرورية، تلك الإحصائية التي وزعت الحوادث المرورية بما نتج عنها من وفيات وإصابات على المحافظات. ويبدو طبيعيا أن تحتل محافظة مسقط المركز الأول في عدد الحوادث وعدد الإصابات الناجمة عنها، بينما جاءت محافظة
شمال الباطنة في المرتبة الأولي في عدد الوفيات، تليها محافظة الداخلية. وتنفرد محافظة مسندم بأقل عدد من الحوادث والوفيات والإصابات. ويتصدر يوم الأحد أيام الأسبوع في عدد الحوادث، بينما ينفرد يوم السبت، وهو يوم عودة الموظفين من ولاياتهم إلى مسقط، بالعدد الأكبر من الوفيات، وينفرد يوم الخميس، وهو يوم السفر إلى الولايات، بالعدد الأكبر من الإصابات الناجمة عن الحوادث المرورية. أما على مستوى شهور السنة فان شهر يونيو هو الأول في عدد الحوادث. ويمثل شهر ديسمبر اقل الشهور حوادثا، بينما ينفرد شهر أغسطس، الأعلى حرارة، بالعدد الأكبر من الوفيات، ويوليو بالعدد الأعلى من الإصابات.
من الأرقام التي يجب أن نضعها في الاعتبار أيضا أن الغالبية العظمي من ضحايا الحوادث المرورية من الرجال، الذين يمثلون 84 بالمائة من المتوفين و77 من المصابين، كما أن العمانيين بوجه عام يشكلون النسبة الأكبر من المتوفين (68 بالمائة) والمصابين (76 بالمائة) في الحوادث المرورية، بينما يمثل المقيمون من جنسيات عربية النسبة الأقل في الوفيات بواقع 2 بالمائة، والخليجيون النسبة الأقل في الإصابات بواقع 1 بالمائة فقط. واللافت في إحصائية توزيع الوفيات والإصابات حسب الأعمار أن الفئة العمرية الأكثر إنتاجا والتي تقع بين 26 إلى 50 عاما هي الأكثر تضررا من الحوادث المرورية وتستأثر بنحو 46 بالمائة من إجمالي عدد الوفيات و50 بالمائة من إجمالي عدد المصابين، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على عائلاتهم وعلى المجتمع. وإجمالا فان ما يتضمنه الكتيب من أرقام وإحصاءات يجب ألا تبقي حبيسة دفتيه أو حبيسة الموقع الاليكتروني فقط، ويجب أن تصل مقرونة بشرح واف لدلالاتها إلى كل الناس حتى تعم الفائدة.