عبدالرزّاق الربيعي
حين غادرت مع صديق لي دار الأوبرا السلطانية التي تطلب من حضور عروضها إغلاق الهواتف النقّالة فإن أوّل شيء فعله صاحبي هو فتح هاتفه، وحين صعدنا سيّارته لإيصالي للبيت، بدأت إشعارات رسائل «الواتس أب» تواصل رنّاتها، ومع تشغيل السيّارة، وضع صاحبي عينا على الطريق، وأخرى على الهاتف، ويدا على المقود، وأخرى يتصفّح بها شاشة هاتفه، سألته: ماذا تفعل؟ أجاب: أتأكد من الرسائل، فلعلّ رسالة مهمّة وصلتني !! وحين وقفنا عند أحد التقاطعات، كانت الإشارة حمراء، لذا وجد صاحبي الفرصة سانحة ليضع عينيه على الأيقونة الخضراء ويردّ على الرسائل، عندها ارتفع مؤشّر قلقي، ولم يتوقّف إلّا بعد أن لمعت الإشارة الخضراء !
هذا الموقف ليس استثنائيّا، فهو يتكرّر دائما، فمن بين كل عشرة اتصالات أجريها لهواتف نقالة، يرد أكثر من النصف، وهو يقود سيّارة، ويتكلّم الطرف الآخر بأريحيّة، وكأنّه يجلس في مكتب!!، وحين أسأله عن إن كان الوقت غير مناسب لإجراء اتصال؟ يرد بثقة: «تكلم عادي، أنا بالطريق»
ونادرا ما يتوقّف عن الكلام المباح إلّا حينما تمرّ سيّارة شرطة، عندها يتوقّف محدّثي، لثوان، ثمّ يستأنف حديثه بعد الابتعاد مسافة عن عيون رجال الشرطة
هذا الحال يتكرّر كثيرا، معي، ومع سواي بالتأكيد، وصرت أضع يدي على قلبي كلّما أكون راكبا سيّارة ويأتي اتصال للسائق، خشية أن يرد،(بأريحيّة)، فيقع ما لا تحمد عقباه !!
إنّ ظهور الهواتف النقالة حلّ مشكلة في التواصل، ولكنّه أظهر للوجود مشكلة جديدة هي الإنشغال بالهاتف، فلم يكتف البعض بالتكلّم، بل تجاوز ذلك إلى تبادل الرسائل القصيرة، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، والدخول في «دردشات»، ومن الطبيعي أن يسبب هذا الانشغال تشتتا في ذهن السائق، لاسيّما أن السياقة تحتاج إلى تركيز، فكثرت حوادث السير التي راح ضحيّتها الكثير من الأبرياء، ورغم تشديد قوانين المرور على ذلك، وتكثيف برامج التوعية التي تبيّن خطورة تلك التصرفات، إلّا أنّ السواد الأعظم من السوّاق يعطون( أذنا من طين وأخرى من عجين)
ولم تحلّ السماعة الخارجية المرتبطة بالهاتف المشكلة، ولا السماعة المبرمجة المرتبطة بلوحة السيارة الأمامية، لأن الكثيرين لا يكتفون بتلقي المكالمات، وإجرائها خلال السياقة، بل يتجاوزون ذلك إلى الإمساك بالهاتف لكتابة الرسائل، والتصفّح، ومشاهدة مقاطع الفيديو، وزاد ذلك مع ظهور «الواتس آب» و«الانستغرام»، و«سناب شات»، و«تويتر»، و«فيسبوك»، وما إلى ذلك من منصّات التواصل الاجتماعي التي أرغمت صاحب الهاتف على إمساك هاتفه بيديه، فتحول الهاتف، بفضل التطور التكنولوجي، من أداة تواصل كلامي إلى إجبار المستخدم على الاستعانة بيديه، وعينيه، وهذه تساهم في تشتيت الذهن، وفي ذلك خطورة على السلامة المرورية، ومن هنا تأتي أهميّة تدشين شرطة عمان السلطانية، حملة «سياقة بدون هاتف» ضمن احتفال دول مجلس التعاون بأسبوع المرور الخليجي، التي تستمر عامًا كاملا ابتداء من 15 مارس الجاري، ولغاية 15 مارس 2017، ويتم خلال ذلك تقديم بعض النشرات، والدراسات التي تثبت أضرار ومخاطر استخدام الهاتف المتحرك أثناء القيادة.
إنّ الإحصائيات المتعلقة باستخدام الهاتف خلال القيادة، التي عرضها العميد محمد بن عوض الرواس مدير عام المرور في حفل تدشين الحملة تجعلنا نقف أمام مشكلة حقيقية، إذ يقول «إنّ 72% من الذين أجريت عليهم دراسة – تتعلّق بحوادث حصلت- أقروا بأنهم يقومون بإرسال الرسائل أثناء القيادة، و80% من النسبة السابقة اعترفوا بأنهم فقدوا انتباههم أثناء الكتابة.. وقد أثبتت إحدى الدراسات أنه عندما ينظر السائق إلى هاتفه لمدة 5 ثوانٍ وبسرعة 95 كيلومترا في الساعة، فإنه يكون قد قطع مسافة تعادل طول ملعب كرة قدم أي بمعدل 130 مترًا، إلى جانب دراسة أخرى اعتمد عليها (مركز اينشورنس اينفورميشن اينستيتيوت) الأمريكي ذكرت أن انشغال سائقي المركبات يقف وراء 80% من حوادث السير، وأن السبب الرئيسي الذي يشغل هؤلاء السائقين هو الهاتف».
وأرى إنّ برامج التوعية بخطورة ذلك، وهو ما تؤكّد عليه الحملة، رغم أهميّتها لا تكفي للحدّ من استخدام الهاتف خلال السياقة، فلابدّ من سنّ قوانين مشدّدة كمصادرة رخصة القيادة لمدة معينة لمن يستخدم الهاتف خلال القيادة، والحبس إذا ثبت أن حادثا ما وقع خلال استخدام الهاتف، فلعلّ هذه الإجراءات تساهم في الحدّ من ذلك، فنكون مطمئنين، حامدين الله الذي “سخّر لنا هذا”.