د. رجب بن علي العويسي
يثير موضوع نقاط المراقبة المرورية تساؤلات ونقاشات وحوارات عدة من مرتادي الطريق وبشكل خاص فئة الشباب، حول أهدافها والغاية منها والمطلوب أن تحققه، وإلى أي مدى تستطيع بآليتها الحالية تحقيق الغايات التي يستهدفها جهاز شرطة عمان السلطانية وبشكل خاص ما يتعلق منه بالجانب المروري وتأمين مزيد من السلامة المرورية والمحافظة على الارواح والممتلكات والتي تظهر المؤشرات أن السرعة الزائدة وتجاوز المسموح به هو من أهم الأسباب وراء الحوادث المرورية المتكررة في مجتمعنا، وبالتالي جاءت هذه النقاط المرورية والتي يتواجد فيها عناصر المرور في الموقع مباشرة إلى رصد لواقع الطريق وإبراز مواضع الخلل فيه أو الاشكاليات التي قد يقع فيها كثير من السائقين وأبرز السلوكيات التي تصدر من السائق بقصد أو بدون قصد، غير أن هذا الأمر بالرغم من هدفه الواضح والسامي بات في الفترة الأخيرة محل تساؤلات وحوارات ونقاشات حادة سواء في البرامج التي تعالج القضية المرورية في الاعلام المرئي والمسموع أو من خلال الصحف اليومية والتنويهات التي تضيفها الجهات المرورية بشرطة عمان السلطانية حول هذا الموضوع، ولعل البعض ينظر للموضوع على أنه قد لا يشكل تلك الأولوية مع تواجد أنظمة ضبط السرعة الثابتة في كل الطرقات وبمسافات متقاربة، وهو كفيل بأن يرصد الحركة المرورية ويعطي إحصائيات فورية حول التجاوزات والمخالفات التي تحصل، والأمر في حقيقة الأمر لا ينبغي أن ينظر إليه بهذه السطحية ، أو أن وجود هذه الأنظمة كفيل بتقديم كل الحقائق التي تعكس واقع الطريق، بل بحاجة إلى عمليات مساندة وقراءة عن قرب للواقع المروري ورصد لتجلياته اليومية في فترات زمنية مختلفة وأماكن متعدده تستهدف إعطاء صورة مكبرة عن حالة الطريق، ورفع تقارير دورية للجهات العليا المختصة حول كل ما من شأنه التأثير على سير الحركة المرورية، وبالتالي يتوقع أن تكون تلك النقاط التي تنتشر بين فترة وأخرى أو تتواجد في أماكن معروفه بمثابة الراصد الفعلي لكل التحسينات والتطويرات التي يمكن أن تنجز في الطريق ويرفد جهاز الشرطة والجهات الأخرى المعنية بالطرق بالسلطنة تقارير وخطط وتوجهات واجراءات عمل تسترشد بها في أي إنجاز أو تحسن يتم في الطريق العام.
إن من بين الأمور المهمة التي يمكن أن تعزز الوعي بأهداف هذه النقاط المرورية هو تسليط الضوء عليها بصورة مستمرة في الاعلام أو في اللقاءات الصحفية، وأن تترجم نتائجها وتنشر بحيث يدرك الرأي العام حقيقتها ونواتجها وأن يبصر بالجديد فيها، فالفقرات المرورية التي تكون في الفترات الصباحية في البرامج الاذاعية المحلية يفترض أن تعطي الرأي العام صورة مكبرة واضحة عن هذه النقاط وأهدافها والغاية منها وفلسفة عملها وأماكن تواجدها وأجندة العمل التي يفترض أن ترصدها في تلك الفترة الزمنية التي تتواجد خلالها في هذا الموقع أو ذاك، هذا من جهة ومن جهة أخرى يأتي السلوك المروري المتوقع من هذا العمل بمثابة المترجم الفعلي لحقيقة هذه النقاط، وبالتالي أن تستهدف جانب التوعية والتثقيف والتعريف بالمنجز المروري ، وبالبرامج المرورية المقدمة وما تمت إضافته من أنظمة مراقبة جديدة، وما يمكن أن تستهدفه من تأمين الحماية والمحافظة على الإنسان العماني وأبناء هذا الوطن، وتحذير قائدي المركبات من العواقب السلبية التي قد تترتب على تغييب ثقافة الالتزام هذا الأمر يفترض أن يشكل أولوية رئيسية لنقاط المراقبة المرورية بحيث ترسخ مستويات من السلوك الواعي القادر على امتصاص الشحنات السلبية التي تتواجد لدى البعض بسبب ازدحام الطريق أو رغبته في الوصول إلى مكان عمله في أسرع وقت ممكن، ولا يمنع أن يتبع هذا الجانب جانب آخر يرتبط بتسجيل المخالفات لمن صدرت منه المخالفة المرورية أو تجاوز قانون المرور وحق الطريق، بأساليب تسبقها مرحلة استباقية قائمة على التوجيه والنصيحة والتوعية وليس إلى المبادرة بتسجيل المخالفة الفورية، أو أن تكون هناك نقاط تسجل في ملف السائق المروري تتضح فيها النقاط السلبية لتحسب عليه بعد تكرر المخالفة المرورية منه أضعافا مضاعفه، هذا الأمر من شأنه إزالة تلكم القناعات السلبية التي تتملك البعض حول هذا الجهد النوعي المقدم من الجهات المرورية، ويعزز من جانب الثقة ويؤصل جانب المسؤولية في أن ما تقوم به الجهات المختصة بالمرور إنما هو عمل إنساني وطني راق يستهدف الإنسان العماني واطمئنانه، وعليه مسؤولية تحمل تبعات تعطيله القيام بهذا الدور والمسؤولية المطلوبة منه، فيصبح الالتزام المروري نابع عن رغبة واقتناع واختيار فيتحقق الوعي المطلوب لأنه نابع من الذات ويسمو بالإرادة القوية والرغبة الأكيدة في تجنب المحظور من السلوك المروري، فإن ما يلاحظ من سلوك حاصل من قائدي المركبات والتجاوزات التي تحصل عند عدم تواجد نقاط المراقبة المرورية أو عدم وجود انظمة المراقبة المرورية ، يستدعي مراجعة جدية للشخصية الوطنية في ظل منظومة الثواب والعقاب وسمو الارادة ونمو الضمير وبناء منظومة المساءلة والمحاسبية والمكافأة ، بحيث يتربى النشء منذ نعومة أظفاره على الالتزام والواجب والمسؤولية بدون ربطها بفرد أو شخص بحيث يتحول السلوك منذ بدايته إلى سلوك ذاتي وممارسة موجهة في إطارها السليم ويترجم في إطار المصلحة الوطنية، فإن ربط الثواب والعقاب بمنظور ضيق قائم على رقابة الآخر فقط بحاجة إلى مراجعة للبناء الذاتي واستقلالية الشخصية الوطنية واتزانها، وبالتالي سوف يضمن سلوك رجل المرور في طريقة تفاعله مع الحدث والموقف واستمالته لسلوك الاخر وقدرته على التأثير الايجابي نتائج ايجابية تحققها نقاط المراقبة المرورية،
أما الأمر الآخر الذي له صلة بالموضوع فهو اختيار موقع تواجد نقاط المراقبة التي ينبغي أن تختار بكل موضوعية وفي ظل ما يمكن أن تخرج به من نتائج إيجابية تنعكس مستقبلا على المأمول من منها ، ولعل حديث امتعاض البعض من تواجد هذه النقاط في أماكن مزدحمة وقرب دوارات أو قرب إشارات مرورية تصب فيها كل المسالك المرورية أو هي نهاية خطوط رئيسية مما يتسبب تواجد عناصر المرور في تلك الفترة في زيادة الازدحام أو تعطيل حركة السير خاصة في ظل الاهتمام بجزئيات الأشياء كما يسميها البعض أو تجاوزهم لجزر مرورية ، يطرح وجودها في تلك الأماكن علامات استفهام ويثير امتعاض الكثير من مرتادي الطريق، وبالتالي تؤدي عملية إيقافهم من قبل الدورية المرورية إلى مزيد من الارتباك وسوء الفهم، هذا الأمر ينبغي التعاطي معه بكل موضوعية، فإن اختيار المكان والوقت المناسب بناء على قراءة واقعية وتشخيص لحالة الطريق سوف يجنب بلا شك بعض الامتعاض الذي يشعر به الشباب أو قائدي المركبات ، ويولد قناعات أخرى هي ما يثار من نقاشات في وسائل الاعلام حول الهدف من نقاط المراقبة المروية واللغط الحاصل وسوء الفهم بشأنها، إننا بحاجة إلى مراجعة للفعل القائم واستطلاع رأي ودراسات تحليلية تشخص واقع الطريق لمزيد من الفهم والوعي بالجهد المبذول وحاجتنا إليه كأفراد ووطن ، بما يعزز من الوعي بقضايا المرور التي هي قضية وطن وإنسان.
وإلى لقاء آخر..