اللغط والثرثرة اللذان يثاران حول غرامات المخالفات المرورية بأنها “جباية” هو منطق عاطفي لا يمت بصلة إلى الحقيقة, وبالواقع ليس له أساس من الصحة جملة وتفصيلا, ومن المؤسف أن نسمع مثل هذا الكلام الذي ليس له تبرير سوى أنه يقال من فئة تناست أن أنظمة المرور واجبة الإحترام وأن حياة الناس أثمن من أن تزهق بحادث مروري من سائق متهور غير ملتزم ولا يبالي بحياة الآخرين.
نعم بلادنا ولله الحمد لا تستهدف جيوب أحد “بالجباية” كما يسميها البعض وإنما وسيلة “الجباية” كما يعتقدون هي بهدف المحافظة على أرواح الناس وردع كل من تسوّل له نفسه الإخلال بالطمأنينة والسكينة على الطرق, ومن أراد معرفة “الجباية” فليزر بعض بلدان العالم التي تفرض رسوماً عن إستخدام الطرق والمواقف وعند مداخل بوابات طرقها السريعة أو عبر فرض ضرائب مختلفة على المركبات بمسميات عديدة, فلعل حينئذ سيُعلم يقيناً ما معنى “الجباية”, وهذا ما لم تلجأ إليه بلادنا ولله الحمد على الرغم من أنه أسلوب تطبقه دول أخرى.
ونعم هناك أيضاً دول تخلت عن إستخدام أجهزة ضبط السرعة, ولكن ليس بسبب إمتعاظ الرأي العام من غراماتها, وإنما لأن مستخدمي الطريق وسائقي المركبات على وجه التحديد تجاوزوا ما يسمى بمصطلح “السرعة” ليس لأنهم لا يحبون “السرعة” وإنما لإرتفاع مستوى الوعي المروري لديهم وحرصهم الشديد على ضبط السلوك أثناء قيادة السيارات, وحرصهم الأشد على الأنفس وحرصهم كذلك على عدم تكبيد “جيوبهم” ومقدرات دولهم فداحة خسائر حوادث الطرق.
تقولون من منطق العاطفة رفقاً بجيوبنا ونقول لكم من منطق الحكمة والبصيرة رفقاً بحياة المجتمع التي هي أثمن من أن تضيع بفعل طائش مارسه البعض في شوارعنا, وأصبحت جراء هذه السلوكيات غير المسؤولة تعاني من النزق والرعونة المتزايدين عليها.
كما ونقول.. ضعوا أنفسكم مكان من فقد أحباءه وفلذات أكباده وفتح أبواب المجالس لتقبل العزاء فيهم, فكم من أم ثكلت وكم من زوجة ترملت وكم من طفل تيتم… ونسألكم ما الدافع إلى السرعة التي لا نجد لها أية مبررات؟
همسة… إن أحد مصادر الإيرادات الحكومية الغرامات الجزائية, وهي تضعها السلطة العامة على الجنات وأصحاب المخالفات التي تصنّف ضمن الجرائم التي تفرض عليها العقوبات المشددة, ويتم تحصيلها من قبل موظفي الحكومة ولا تدخل بأي حال في جيوبهم, وإنما تضاف إلى إيرادات الدولة وتوزع لاحقاً لتغطية النفقات العامة والإيفاء بالإحتياجات على شكل منافع عامة كالخدمات والمشاريع “الصحة والتعليم والطرق وغيرها”.
ودمتم سالمين.