فوزي بن يونس بن حديد
كيف يؤمن الإنسان بقضاء الله وقدره؟ ومتى يكون أمرا مفعولا لا دخل للإنسان فيه؟ يزداد المؤمن بالله إيمانا بقدر الله حينما يتعرض لحادثة لا يكون سببا أو طرفا فيها، فالله عزّ وجل أكّد لنا أنه سيبلُونا في هذه الدنيا في كثير من آياته العظمى منها قوله تعالى: “ولنبلوَنّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذي إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” وقوله سبحانه: ” ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم” فالابتلاء سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلا، وكيف لا يبتلينا في الدنيا وهو العالم بأحوالنا، هو يبتلينا ليعلم مدى صدقنا أو مدى جزَعِنا على هول المصيبة، مهما كانت صورها، فالذي يأتي من الله كلّه خير حتى لو لم نعلم الحكمة من وجوده، هذا حال المؤمن التقي الذي لا يحب الخسارة لنفسه وماله وكل ما يتصل به ولكن إذا أتت من عند الله فهي خير عظيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
سُقْت هذه المقدمة لأسلّي بها نفسي، بعد أن تعرّضت لحادث غريبة أطواره، كان القدر سيّد الموقف ولولا لطف الله لا أدري ماذا سيحصل، كنت واقفا بسيارتي في أحد الدوارات وأمامي ثلاث سيارات وورائي سيارة أو سيارتان، ننتظر فراغ محور الدوار لننطلق ونمشي في مناكب الأرض غير أن الحدث قد حدث وفي وقت كنا فيه مطمئنين، لم يكن أحد من الواقفين يتوقع حدوث ما حدث لأنه لم يكن في الحسبان ولكن الله عز وجل قدّر لنا هذا بفعل فاعل آخر ولم يكن بسببنا، في تلك اللحظة وبينما كنا منهمكين في الانتظار تأتي الضربة من الخلف وكأن صاعقة قد قذفت بنا من بعيد، تأتي حافلة بسرعة وأحسبها هائلة، ليس لها مناص سوى ضرب طابور السيارات التي أمامها، صاحبها قال تعطلت الفرامل، أحدثت ضجّة هائلة، كنت في وسط سرب السيارات المنتظرة، فجأة أجد نفسي مرتطما بمقود السيارة وقد مسّها الحادث من الأمام ومن الخلف مخلفا أضرارا بالغة من الجهتين، ومن شدة وقع الحدث طارت فردة حذائي إلى الداخل من جهة دواسة البترول، صدمة قوية لا أعرف من أين ولا كيف أتت، المهم أنها وقعت، قلت في نفسي سبحان الله القادر المقتدر، قدّر الله وما شاء فعل، لم أستوعب الصدمة ولا الكدمة كأنها صعقة بعدها أفقت من غفوتي وجدت الإسعاف والشرطة والرافعات قد استنفرت قواها لتحديد المصابين وعلاجهم على الفور وسحب السيارات الست التي تضررت في الحادث في سرعة من الوقت وهذا جهد كبير يحسب لشرطة عمان السلطانية التي كانت في الحدث وتصرّفت بحكمة وحنكة، نشكرها من أعماق قلوبنا، ولها الفضل بعد الله عز وجل في تخفيف هول الحادث، رجال تميزوا بالخلق العظيم، تصرفوا بأدب كريم، وقلب رحيم، إنهم جنود يعملون في الخفاء ولكنهم في النائبات رجال أفذاذ يعلمون ما يفعلون، متابعة مستمرة لصحة الإنسان أولا فهي عظيم الرهان، لا يطلبون شيئا سوى الاطمئنان على صحتك ثم تأتي بعدها الإجراءات والكل يتحمل ما فعل، إن كان مسؤولا عما فعل.
فعلا في ذلك الموقف تذكرت الآيات البينات التي تدعو الإنسان إلى الصبر على البلاء والامتحان، تذكرت القول القائل: يجيك البلاء يا غافل، مثل يقال للذي لا يدري ما يحل به وهو في حقيقته إيمان بقدر الله، فالحمد لله على كل حال على سلامة الإنسان الذي هو رأس المال أما المال فيمكن أن يعوض عند فقدانه، والله عز وجل ما خلق الإنسان إلا وقدّر له قوته في الحياة الدنيا فلا يجزع ولا يخاف، لن يأخذ أكثر مما قدّر له، ولن يضيع منه إلا بمقدار.