مال الله بن صالح الصادري
إن تمضية أوقات طويلة في الطرق ضمن طوابير ممتدة تتكدس بالمركبات, أصبح حالاً صعباً ومزعجاً ويصيب بالتشنج والضجر, ويدفع بالبعض في كثير من الأحيان إتيان سلوكيات خاطئة تعكس عن حالة من التذمر وعدم الرضى.
ولربما هناك حلول عديدة لعلاج ظاهرة الإزدحام المروري المزمن في مفاصل الطرق, ليس من بينها في هذا المقال التطرق إلى تقليص أعداد السيارات أو التشدد في إشتراطات وإجراءات الحصول على رخص السياقة, أو فرض رسوم لإستعمالات الطرق والمواقف, أو التشجيع على إستخدام الدراجات الهوائية في التنقل, أو حتى فك إرتباط قيمة البنزين بالدعم الحكومي أو.. أو.. أو.. ومع أنها ليست حلولاً إعجازية إلا أنها حلول تحتاج إلى طولة بال لتطبيقها وإلى تعاون جهات حكومية ومؤسسات مجتمع مدني.
وبمنأى عن إفتراض الحلول آنفة الذكر.. فإن توفر التقنية وشيوعها وإمكانية توظيفها في التحول من الأساليب الإدارية التقليدية (الإجراءات الطويلة والمعقّدة بإستخدام الورق) إلى بيئة العمل الإلكتروني عالية الأداء وبسرعة عالية ودقة متناهية.
فما يمكن الإشارة إليه في هذا المقال هو نموذج التحوّل إلى النسخة الإفتراضية الآلية التي تحاكي أعمال الحكومة الحقيقية التقليدية وربط بعض خدماتها المهمة والحيوية المقدمة للجمهور إلكترونياً, وذلك من خلال محطات الخدمة الواحدة المتكاملة, وبالتالي وضعها في متناول جميع المؤسسات الخاصة والجمهور عموماً أينما كانوا ومتى شاءوا, وبإمكان بيئة العمل الإلكترونية في حال توفرها تمكين طالبي الخدمة من الوصول إلى مجموعة واسعة من الخدمات الإلكترونية المتاحة عبر قنوات تواصل متعددة, ومعدة بطريقة سهلة وملائمة, وتتضمن كل المعلومات عن أقسام الحكومة وخدماتها المقدمة للجمهور كالصحة والتعليم والإسكان والتجارة والعمل والإتصالات والنقل والبلدية وخدمات الشرطة وغيرها، وتكون تلك الخدمات مصنّفة بشكل ميسّر وتتوفر لها تعليمات واضحة لطريقة الإستخدام وتعريف بطبيعة الإجراءات والوثائق والرسوم المرتبطة بها، وإتاحة إمكانية سداد الرسوم مقابل الخدمة إلكترونياً.
ولعل سرعة تطوّر التقنية الرقمية كقيمة مضافة ليس لها حدود, فتح المجال واسعاً لرواج إستخدام شتى الممارسات المؤسسية والخاصة بأسلوب إلكتروني ذكي ومباشر, وأصبح بمقدور الجمهور إختصار الزمان والمكان, من دون تجشم عناء القدوم لتخليص بعض المعاملات التي تقتضي اللجوء إلى المصالح الخدمية, وإمكانية متابعتها وفق أساليب جديدة تقوم على إستثمار تقنية المعلومات, وعبر تطبيقات الأجهزة النقّالة الذكيّة المتصلة بنقاط اتصال ساخنة بوصول مجاني إلى شبكة الإنترنت في الأماكن والحدائق العامة, وبطريقة آمنة وسريعة وسهلة الاستخدام.
فالمعاملة التي قد تتطلب لإنجازها مراجعة المصالح الحكومية الخدمية وتستغرق متابعتها أياماً جيئة وذهاباً فإنه يمكن طلبها وإنجازها في خطوة واحدة والبت فيها من قبل الجهة إلكترونياً في دقائق وفي أي فترة من فترات اليوم, وذلك بفضل تطوّر التقنية وإمكانياتها اللامحدودة التي أصبح من الممكن بواسطتها الحصول على كل النماذج الخاصة بالمعاملات الحكومية وغير الحكومية من الموقع الإلكتروني الخاص بالجهة المختصة, وبالتالي تقديم الطلبات وتخليص الكثير من المعاملات مباشرة.
ولمساعدة العاجزين لسبب أو آخر في استخدام التقنية كالذين لا يملكون سبل الاتصال بالحاسوب, ومن يصعب عليهم فهم الطرق الإيضاحية للتواصل مع الحكومة عبر الإنترنت, وكذلك أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يشق عليهم الانتقال إلى المصالح الحكومية, فيمكن إتمام طلبات معاملاتهم عن طريق المكاتب الحكومية أو التجارية لتسهيل عملية تواصلهم بالحكومة الإلكترونية لقاء رسوم رمزية.
بناء على ذلك.. يفهم أن بيئة العمل الإلكتروني تؤدي إلى تضييق الحواجز التي تقف أمام تقديم الخدمات, وللحكومة الإلكترونية أو الرقمية والذكية مزايا إيجابية كثيرة منها تخفيض التكلفة والوقت وتحسين الجودة والسرعة في الإنجاز وتخفيف الضغط على المصالح الحكومية, وما يهم الإجراءات المتعلقة بالحصول على الخدمات للجمهور ومن ضمنهم الموظفين العاملين الذين ليس بإمكانهم المراجعة للحصول على الخدمات خلال وقت الدوام الرسمي بسبب إرتباطهم بوظائفهم وأعمالهم, وكذلك أولئك القاطنين في الأماكن التي تبعد عن المقار الرئيسية للمصالح الحكومية وفروعها, وأيضاً المقيمين بالخارج الراغبين في الحصول على الخدمات آلياً, أنها ستتم دون حضورهم ومراجعتهم للمصالح الحكومية, وبطبيعة الحال يستطيع طالبي الخدمة إنهاء كم كبير من أنواع الخدمة وهم جالسين في منازلهم أو مكاتبهم دون تكبد عناء الخروج وهدر المال والوقت.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى إحداث تغيير جذري في نظم وأساليب تقديم الخدمات الحكومية وفق بيئة عمل إلكترونية تعطي للعمل الإداري مرونة كافية, ومنها بطبيعة الحال ما نتطلع إليه في خدمة الجانب المروري, الذي بدوره سيستفيد من مزايا الحكومة الإلكترونية في التخفيف من الازدحام وإشكالات الطرق ومخاطرها, والمساهمة في خفض نسبة الحوادث المرورية وما ينتج عنها من خسائر في الأرواح والممتلكات وإستنزاف الاقتصاد الوطني.