الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيهِ، اللهمَّ لكَ الحمدُ حمدًا يُوافِي نِعَمَكَ ويُكافئُ مَزيدَ فضلِكَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، القائلُ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا) وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ وخليلُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا ونبيِّنَا مُحمدٍ
وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، وعلَى مَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ: فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونَفْسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .
عبادَ اللهِ: إنَّ مِنْ مقاصدِ الإسلامِ تحقيقَ الاستقرارِِ والسلامةِ للإنسانِ فِي دِينِهِ ونفْسِهِ وعِرْضِهِ ومالِهِ، وَلِتَحقيقِ ذلكَ فقَدْ سَخَّرَ اللهُ تعالَى لنَا الأرضَ ومَا عليْهَا، قالَ تباركَ وتعالَى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السَّمَواتِ وَمَا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً مّنْه) وأمَرَ الإنسانَ أَنْ يُسهِمَ فِي بِناءِ الأرضِ وإِعمارِهَا، وحَثَّهُ علَى الشُّكْرِ والعِرفانِ، يقولُ سبحانَهُ : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) .
وقَدْ نَظَّمَ الإسلامُ علاقةَ الإنسانِ بالأرضِ، ومنْهَا علاقتُهُ بالطريقِ بِمَا يَكْفلُ لهُ السلامةَ والاستقرارَ، فنَهَاهُ عَنِ العَبَثِ والإفسادِ فِي الأرضِ، قالَ تعالَى: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) فالمحافظةُ علَى الأرضِ مَقْصِدٌ قُرآنِيٌّ ونَهْجٌ شَرْعِيٌّ، وقَدْ كَتَبَ اللهُ عزَّ وجلَّ الأجْرَ والمغفرةَ لِمَنْ ساهَمَ فِي رفْعِ الأذَى عَنْ طُرُقِ الناسِ وصانَهَا مِنَ التلَفِ، ففِي الحديثِ:« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ». وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يُؤْذِيهِمْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ حَسَنَةً، وَمَنْ كَتَبَ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً أَدْخَلَهُ بِهَا الْجَنَّةَ» وقَدْ كانَ اهتمامُ الصحابةِ بأَمْنِ الطريقِ لاَ يَقِلُّ عَنْ أُمورِ الدينِ الأُخرَى، وقد أَخْبَرَ أَبُو مُوسَى الأشعريُّ رضي الله عنه أَهْلَ الْبَصْرَةِ أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَعَثَهُ لِيُعَلِّمَهُمْ أمْرَ دِينِهِمْ والعِنايةَ بِطُرُقِهِمْ .
عبادَ اللهِ: لقَدْ مَنَّ اللهُ تعالَى علَى عبادِهِ بِمَا حبَاهُمْ مِنْ فضلِ امتلاكِ وسائلِ النقْلِ فِي البَرِّ والبحرِ وتسخيرِهَا لِقضاءِ الحوائجِ والتنقُّلِ والاستفادةِ مِنَ الزمَنِ، وهوَ فضلٌ يجِبُ الشكرُ عليهِ بُكْرَةً وأَصِيلاً، قالَ عزَّ وجلَّ: (وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ)
ونظَّمَ القرآنُ الكريمُ سُلوكَ الإنسانِ فِي سَيْرِهِ علَى الأرضِ، فحثَّنَا علَى المشْيِ مِنْ غيرِ إسراعٍ، قالَ تعالَى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) فالمشْيُ مَظِنَّةُ الرِّفْقِ والوَقارِ، وفِي الحديثِ :« إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». ويقولُ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ كُلَّهُ ».
فينبغِي لِكُلِّ مُسلمٍ أَنْ يتَّصِفَ بالرفْقِ والهدوءِ فِي أُمورِهِ عامَّةً وفِي قِيادتِهِ للسيارةِ خاصَّةً، فمَنْ أسرَعَ لِيُدْرِكَ أمْرًا ربَّمَا ضَيَّعَ بإسراعِهِ أُمورًا كثيرةً، ورحمَ اللهُ القائلَ:
قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حاجتِهِ وقَدْ يكونُ معَ المسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
أيهَا المسلمونَ: إنَّ الطريقَ مِلْكٌ للجميعِ، ولاَ يجوزُ لأحدٍ أَنْ يَسْتأثِرَ بهِ علَى مَنْ سِواهُ، فيسيرَ كمَا يشاءُ، وكيفَمَا يشاءُ، فذلكَ أذًى للآخَرينَ، وقَدْ علَّمَنَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَواعدَ السَّيْرِ وآدابَهُ فِي الازدحامِ، فكانَ r يقولُ للناسِ: « السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ».
ومِمَّا يتَنَافَى معَ السكينةِ إيذاءُ الناسِ بإيقافِ السياراتِ بطريقةٍ عَشْوَائيةٍ تُضَيِّقُ علَى الآخرينَ وتُعَطِّلُ مَصَالِحَهُمْ. فعلَى الإنسانِ أَنْ يَتَحَلَّى بالصبرِ والذَّوْق واليَقَظَةِ فِي التعامُلِ معَ الطريق، وأنْ يَتنَبَّهَ لمفاجآتِهِ.
ومِمَّا أكَّدَ عليهِ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي تأمينِ سلامةِ الإنسانِ تفَقُّدُهُ لأحوالِ مَرْكَبَتِهِ قَبْلَ القيادةِ، يَدُلُّ عليهِ مفهومُ قولِهِ صلى الله عليه وسلم :« اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً». لأنَّ المركبةَ إذَا كانَتْ غيرَ صالحةٍ للاستعمالِ بسببِ خَلَلٍ فِي بعضِ أجزائِهَا قَدْ يُؤدِّي إلَى إلحاقِ الضرَرِ بقائدِهَا وبالآخرينَ، فينبغِي أَنْ يكونَ الاستعمالُ بالطريقةِ الْمُثْلَى الصحيحةِ والَّتِي لاَ تُؤْذِي الآخَرينَ أو تَضرُّهُمْ.
عبادَ اللهِ: إنَّ المركباتِ وسيلةٌ مِنْ وسائلِ التنقُّلِ والراحةِ، وطُموحُ الآباءِ أَنْ يُوفِّرُوا لأبنائِهِمْ مَا يُفْرِحُهُمْ فيستعجلُوا بِمَنْحِهِمُ السياراتِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحْصُلوا علَى رُخصةِ القيادةِ، بَلْ إنَّ بعضَهُمْ يُعطِي لولَدِهِ السيارةَ قبلَ بلوغِهِ السِّنَّ القانونيةَ مِمَّا يَؤولُ إلَى حوادثَ مُفْزِعَةٍ ومُفْجِعَةٍ، فعلينَا أَنْ نتحمَّلَ جميعاً المسؤوليةَ ونُساهِمَ فِي المحافظةِ علَى أبنائِنَا بالتزامِ أنظمةِ السيْرِ تَجنُّبًا لِوقوعِ الحوادثِ المروريةِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :« كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
واعلمُوا عبادَ الله أنَّ مخالفةَ الأنظمةِ المروريةِ تَجُرُّ المخالفينَ إلَى الحوادثِ التِي قَدْ تُهلِكُ الحرثَ والنسْلَ، وتُتْلِفُ الطرقاتِ، فعلَى المرءِ أَنْ يتعامَلَ معَ الأنظمةِ المروريةِ علِى أنَّهَا ثقافةٌ لازمَةٌ يُحاسَبُ الْمُقَصِّرُ فيهَا، كمَا يجبُ علَى الآباءِ تلقينُ الأبناءِ المعاييرَ الأخلاقيةَ لقيادةِ المركبةِ فِي الطريقِ، فغايةُ هذهِ الأنظمةِ هيَ سلامتُنَا جميعًا .
نسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يَحْفَظَ الجميعَ وأَنْ يُوفِّقنَا جميعًا لطاعتِه وطاعةِ رسولِهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وطاعةِ مَنْ أمرَنَا بطاعتِهِ، عملاً بقولِه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)
نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ، وبِسُنَّةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم، أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ، فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
نقلا من : دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري .. دبي