كثيراً ما نسمع عن حوادث السيارات التي تودي بحياة الكثير من الأشخاص, منهم من يخالفه الحظ ويبقى على قيد الحياة وإن كان بعضهم حالته صعبة جداً, ومنهم من يلقى حتفه, ويصطدم الأهل والأقربون بموته, بعضهم يقول: إن القضاء والقدر كان وراء ذلك, وآخرون يجعلون التهور وعدم المسؤولية النصيب الأكبر, وقد لا يفقه الكثيرون ما هو موقف الدين من الذين يتهورون في قيادة سياراتهم, وكثيراً ما يعرضون أنفسهم والآخرين إلى التهلكة والموت.
ورد في إحدى حلقات سؤال أهل الذكر.. وأجاب عليه سماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة, عندما سئل عن حوادث السيارات قائلاً:
من المعلوم أن قائد السيارة هو أمين على نفسه, عليه أن لا يدفع بها في مظان الخطر, بل عليه أن يجنبنها ذلك, كما أنه أمين على الركاب الذين يركبون معه, وهو أيضاً أمين على المشاة في الطريق, وهو أمين على أصحاب المركبات الأخرى, عليه أن يحذر كل الحذر من كل ما يؤدي إلى عطبه بنفسه, أو إلى عطب أحد من الركاب في مركبته, أو عطب أي أحد ممن يمشون في الطريق, أو من الذين يركبون المركبات.
على من كان قائداً للمركبة أن يحافظ على هذه الأمانة.
وهذا التهور العجيب, وهذا الإندفاع الغريب إلى الإسراع الجنوني الذي لا ينتج عنه إلا الخسارة في الأنفس وفي الأموال, لا ينتج عنه إلا إزهاق الأرواح وترميل النساء وتيتيم الأولاد وإثكال الأمهات, لا ينتج عنه إلا هذا الشر الوبيل مع ما ينتج عنه أيضاً عدد هائل من الذين يصابون بعاهات في أجسامهم بسبب حوادث المرور, هذا الإسراع الجنوني يعد نحراً وإنتحاراً, فالإنسان الذي يسرع بهذه الطريقة يعد ناحراً لغيره ومنتحراً بنفسه, فهو يبوء بالوزرين ويتحمل عاقبة ما يصيبه بنفسه وما يصيب غيره, فهو يبوء بوزر قتله لنفسه, ويبوء بوزر قتله لغيره, لأنه في حكم المتعمد ما دام يعلم أن هذا الذي يفعله يؤدي إلى الموت الزؤام, يؤدي إما إلى إزهاق روحه وإما إلى إتلاف أرواح الآخرين من الركاب الذين معه, أو من الركاب في المركبات الأخرى, أو من المشاة الذين يمشون في الطريق, فإنه لو فوجيء بأحد يمشي في الطريق سواءاً كان صغيراً أو كبيراً عاقلاً أو مجنوناً لا يملك أن يسيطر على سيارته مع هذه السرعة الجنونية التي تفضي به إلى هذه المخاطر, فمن هنا كان هو في حكم المتعمد لقتل غيره, كما أنه في حكم المتعمد لقتله لنفسه.
وهذه المركبات نعم من الله تبارك وتعالى, ولكن نعم الله يجب أن يحافظ عليها, وأن لا تستغل فيما يسخط الله سبحانه وتعالى, وأي شيء يسخط الله أعظم من أن يكون الإنسان سبباً لإزهاق روحه أو سبباً لإزهاق أرواح الآخرين من بني جنسه, إنما هذا مما ينافي حكمة الله تبارك وتعالى من تكريمه في هذا الإنسان وجعل حرماته حرمات عظيمة وجعل حياته ذات قيمة عظيمة.
وأي نعمة من نعم الله تبارك وتعالى عندما لا تشكر, تعود نقمة, تعود وبالاً على صاحبها بدلاً من أن تكون هنيئة سابغة على صاحبها تعود وبالاً عليه والعياذ بالله.
وإن من كفران النعم المركبات هذه السرعة الجنونية وهذا التهور في قيادة السيارات وهذا السباق المحموم الذي لا ينتج عنه إلا مثل هذه الخسارة التي تمنى بها الأمة بأسرها.
فمن هنا كان لزاماً على كل من يقود السيارة أن يكون قبل كل شيء مدركاً لمسئوليته العظيمة التي يتحملها, فإنه مسئول عن نفسه ومسئول عن غيره.
وقد سمعت أن أحد السواق في إحدى البلاد الإسلامية كان يقود سيارته – أو سياراته – لمدة خمسين عاماً ولم يقع منه حادث قط, ولم يقع عليه حادث قط, فسئل بعد مرور نصف قرن من الزمان وهو يشتغل هذا الشغل ما الذي جعله يستطيع أن يسوس نفسه هذه السياسة الحكيمة بحيث إنه جنب نفسه الحوادث, فرد على ذلك قائلاً: إنني عندما أمسك المقود أحس أنني مسئول عن كل أحد, وأن الآخرين جميعاً هم مجانين, والمشاة في الطريق هم مجانين, وكل أحد لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الأذى, وإنما أنا مسئول بأن أدفع عن أنفسهم وعن نفسي الأذى.
فإذن.. يجب على كل من يسوق سيارة أن يكون هكذا بحيث يحرص كل الحرص على أن تكون قيادته قيادة سليمة ليس فيها شيء من التهور قط, والله تعالى المستعان.