د. سعد بن عبدالله البريك
يقول الله عز وجل { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} قال العلامة ابن سعدي رحمه الله:{وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ } مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء، التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، فإنه لم يذكرها بأعيانها، لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره، وأما ما ليس له نظير في زمانهم فإنه لو ذكر لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه، فيذكر أصلاً جامعاً يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون”. (تفسير السعدي 1/436) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :” سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف ، العنوهن فإنهن ملعونات ، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم”. رواه أحمد . قال الألباني رحمه الله : إن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى هذه المركوبة التي ابتكرت في هذا العصر ، ألا و هي السيارات ، فإنها وثيرة وطيئة لينة كأشباه الرحال. ( السلسلة الصحيحة 6/182).
السيارة نعمة من نعم الله علينا ، تقرب البعيد وتختزل المسافات وتدني القاصي وتوفر الجهد والوقت ، سهلت نقل المصابين إلى المستشفيات ، وأعانت على إغاثة الملهوف ، بها يصل الإنسان رحمه ويذهب إلى مسجده ويعود مريضه ، يركبها متمتعاً بجو مكيف لا يشتكي الحر والقر، يأكل إن جاع ويشرب إن ظمئ ويحمل ما يحتاجه من متاع {وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم}.
وإن ما يؤلم النفس أن البعض جعلوا من هذه النعمة نقمة ، فجعلها وسيلة للخلوة المحرمة ونقل من لا تحل له من النساء ، أو سافر بها سفر معصية ، أو تنقل بها رافعاً أصوات الأغاني والموسيقى ، أو جعلها وعاءاً لتهريب وترويج المخدرات والمسكرات . فهذه الصور وغيرها كثير هي من الاستعمال المحرم لهذه النعمة ، ولا يعصى الله إلا بنعمه.
لكن من أشد الصور إيلاماً هو ما يتسببه البعض من حوادث مرورية وقتل للأرواح وإيذاء للأبرياء بسبب السرعة المفرطة أو التفحيط أو عدم التقيد بأنظمة المرور أو التقصير في الأخذ بأسباب السلامة وصيانة المركبة ، فباتت السيارة من أشرس وسائل القتل ، ما استدعى صياغة القوانين لموضوع القيادة وسن الأنظمة التي تضبط كل ما يتعلق بالقيادة والمرور ، بعد أن كثرت المشاكل الناجمة عن هذه الوسيلة كالمشكلات الصحية والاجتماعية والمالية والاقتصادية والأمنية.
كثيرون يتهاونون في موضوع السرعة فوق الحد المسموح ، رغم أنها من أسباب الهلاك والعطب ، فكلما ازدادت السرعة زادت قوة اندفاع المركبة ، وتقل قدرة السائق على السيطرة عليها ، ويقل تركيزه وتقديره للظروف الخطرة وحينها تكون الفرامل عاجزة عن أداء دورها بالمستوى المطلوب في تلك الظروف وخصوصاً عند التقاطعات والانحناءات والأماكن التي يتعذر وضوح الرؤية فيها، وفي الأماكن العامة والتجمعات السكانية التي تكثر فيها وقوف المركبات وعبور المشاة والحيوانات ، أو عند تغير الأحوال الجوية كالرياح والغبار والضباب ونزول المطر.فإذا اجتمعت السرعة مع واحد من هذه الظروف كان وقوع الحادث وشيكاً بسبب عدم اتزان المركبة وعدم سيطرة السائق عليها أثناء ظهور أي أمر مفاجئ على الطريق.
يقول تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}، ويقول سبحانه {ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}ويقول الله سبحانه وتعالى {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} فهي هذه الآيات أمر بأن يمشي الإنسان مشياً معتدلاً ليس بالبطئ المتثاقل ولا بالسريع المفرط، بل عدلًا وسطًاً . ويخطئ من يظن أن هذا الأمر خاص بمن يمشي على قدميه فقط ، بل يشمل من يركب الدابة أو الدراجة أو السيارة ، وأغلب الناس في هذه الأيام يتنقلون راكبين، وجل الله في حكمته أن يأمر من مشى على قدميه أن يقتصد ويرفق فإذا ركب السيارة انطلق مسرعًا من غير قيد ولا ضابط .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إذا مر أحدكم في مسجدنا ، أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها ، أو قال فليقبض بكفه ، أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء “. رواه البخاري ومسلم.
واستنباطاً من هذا الحديث نص الفقهاء على أن المرور في الطريق مباح مقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه. فسير الإنسان في الطريق والسوق مأذون فيه شرعا إذا توفرت شروط السلامة لجميع المنتفعين بالطريق فإذا لم تتوفر شروط السلامة لم يكن مأذونا له بذلك. وعليه ضمان ما تولد عن فعله، إلا إذا كان مما لا يمكن الاحتراز عنه ، والسبب في تقييد إباحة السير في الطريق بشرط السلامة هو أن الطريق من المرافق العامة التي يشترك جميع الناس فيها ، فلا بد لكل منتفع بالطريق أن يتقيد بها لأجل أن يمكن غيره من استيفاء حقه في الطريق .
فالاعتدال في السرعة مطلوب إلا ما اقتضته الضرورة ورجحت فيه مصلحة الإسراع؛ لإدراك حياة مصاب مثلًا، أو إنقاذ مستغيث، ونحو ذلك من الحالات .
والبعض يقود بسرعة كبيرة كي يدرك الصلاة في المسجد ، وهذا لا يجوز ، فالإسراع لأجل إدراك الصلاة يخالف أمر النبي صلـى الله عليـه وسلم الذي قال :” إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون و لكن ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار “، والسرعــة تنافي الوقار . والمسرع إلى الصلاة بسيارته ينشغل باله بمن أمامه بل ربما أدى به ذلك إلى قطع الإشـارة المـرورية فيخاطـر بروحه وروح غيره.
إن المطلوب هو أن ننمي ملكة التحكم في تصرفاتنا بحيث لا تكون القيادة سبباً للضرر ، ويكون التحكم بالسرعة والالتزام بأنظمة المرور نابعاً من شعور ذاتي بوجوب الالتزام بها ، وليس خوفاً من كاميرا ساهر ، أو من عين رجل الأمن.
وإنها وقفة تقدير لما تبذله الجهات المختصة من جهود للتقليل من الحوادث المرورية وحث الناس على عدم تجاوز أنظمة المرور ، فقد أدت هذه الجهود – بعد تشغيل خدمة ساهر – إلى تقليل نسبة الحوادث بنسبة قاربت 30 % ، وتراجعت التلفيات في حوادث المرور بنسبة جاوزت 40 % ونسبة الإصابات الناجمة عن حوادث السير إلى 26% وعدد الوفيات بنسبة 30 % . ولو كان الالتزام بالأنظمة ينبع من قناعة ذاتية لدى كل سائق لكان النسب أعلى بكثير مما ذكرناه.
ولو أن الجهات القائمة على المرور صرفت ما يردها من مبالغ بسبب المخالفات المرورية إلى الجمعيات الخيرية أو جمعية تحفيظ القرآن أو إنسان او الجمعيات التي تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة ، فإنها في هذا تحقيق مصلحتين :
الأولى : حمل الناس على الالتزام بقوانين المرور.
والثانية : الاسهام في التخفيف معاناة كثير من المحتاجين والمعوزين.
والتفحيط أيضاً بات ظاهرة مرعبة لكثرة ما تسببه من حوادث مميتة وإصابات بليغة وإتلاف للأموال ، والمؤسف أن بعض الشباب يظن أنها رجولة أو مهارات للتسلية ، فيتفنن في أداء أنواع مميتة من التفحيط ، من تربيع وتخميس ، وسلسلة واستفهام، وحركة الموت التي يتقابل فيها المتحديات وجهاً لوجه ويقود كل واحد منهما سيارته باتجاه مقابل لسيارة الآخر ، بحيث لو لم ينحرف أحدهما لوقع التصادم لا محالة ، والجبان هو من ينحرف عن المسار ، وقد يستميت كلا الطرفين كي يثبت أنه شجاع ، فيتصادمان وجهاً لوجه وتقع المصيبة.
فكم من روح أزهقت بسبب التفحيط ، وكم من شاب فقد عافيته بسبب التفحيط ، وكم من مشلول ومقعد وأبكم وأعمى بسبب التفحيط ، وكم من أسرة فقدت ربها ومن يعولها لقيام مفحط بدهسه أثناء أداء استعراضه المميت ، ومن أراد أن يقف على حقيقة المآسي التي يسببها التفحيط ، فليفتح مقاطع اليوتيوب ليرى بنفسه ، أو ليقم بزيارة إلى مستشفى النقاهة.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله عن منكرات الشوارع التي كانت على عهده: (ومنها سوق الدواب وعليها الشوك بحيث يمزق الثياب؛ فذلك منكر إن أمكن شدها وضمها بحيث لا تمزق، أو أمكن العدول بها إلى موضع واسع … وإلا فلا منع؛ إذ حاجة أهل البلد تمس إلى ذلك، نعم لا تترك ملقاة على الشوارع إلا بقدر مدة النقل ) . ( إحياء علوم الدين، 2/339).
فإذا كان الغزالي رحمه الله يرى أن وضع الشوك الذي يمزق ثياب المارة من المنكرات ، فكيف لو رأى ما يفعله بعض المتهورين من استعراضات مميتة وقيادة جنونية تسبب حوادث تمزق الأجساد وتنفذ إلى الأحشاء!.
إن التفحيط معصية لله ومن يفعلها فهو آثم ، لأن فيها تهلكة للنفس {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وفيها أذية للمسلمين وإضاعة للمال ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إن الله كـره لكم ثلاثاً : قيل وقال وإضـاعة المال وكثرة السؤال “.وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بحرمة التفحيط ، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتلٍ للأنفس وإتلافٍ للأموال وإزعاجٍ للآخرين وتعطيلٍ لحركة السير.
هذه المعصية تقول لأخواتها من المعاصي “إليَّ” “إليَّ “، فتستدعي معاص أخرى ومخالفات عديدة ، كالسرقة والمعاكسات واللواط وتعاطي المسكرات والمخدرات . هذا فضلاً عن معاناة أسرة المفحط ، إن لجهة كونه مطلوباً للجهات الأمنية ، أو بسبب تبعات ما يقوم به من تفحيط كإزهاق الأرواح أو إتلاف الأموال أو إيذاء الآخرين ، أو لناحية السمعة السيئة التي تلحق أسرته.
ولذا وجب على كل ولي أن يمنع ولده من القيادة إذا كانت قيادته متهورة ولا يراعي اشتراطات السلامة وقوانين المرور لئلا يتلف نفسه وأنفس الآخرين ، يقول تعالى { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } . يقول الشاطبي رحمه الله : (إن المباحات إنما وضعها الشارع للانتفاع بها على وفق المصالح على الإطلاق، بحيث لا تقدح في دنيا ولا دين، وهو الاقتصاد فيها، ومن هذه الجهة جعلت نعمًا،وعدت مننًا، وسميت خيرًا وفضلًا، فإذا خرج المكلف بها عن ذلك الحد بأن تكون ضررًا عليه في الدنيا أو في الدين؛ كانت من هذه الجهة مذمومة؛ لأنها صدت عن مراعاة وجوه الحقوق السابقة واللاحقة والمقارنة، أو عن بعضها، فدخلت المفاسد بدلًا عن المصالح في الدنيا وفي الدين). (الموافقات 3/217) .
إن الذي جعل الإشارة الحمراء علامة على وجوب التوقف ، أراد أن يقول للسائق إن تجاوزها خط أحمر ويعني الموت ، وهذا يغيب عن بال الكثيرين وخاصة الشباب الذين يتجاوزون الاشارة الحمراء معرضين أنفسهم والآخرين إلى الموت أو الإصابة، وقد وقعت حوداث كثيرة بسبب تجاوز الإشارة الحمراء.
ولذا أفتى سماحة المفتي العام الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله بحرمة قطع إشارة المرور عمداً، معتبراً أن من تجاوزها وتسبب في قتل أحد فإنه يكون قاتلا شبه متعمد. وقال إن المتخطي والمستخف بإشارة المرور آثم، والمتجاوز لها عاص ويتحمل وزراً، وإذا حصلت جناية بهذا السبب فهو شبه متعمد لأنه تجاوز ما حدد له وتعدى الحدود وعمل أعمالاً سيئة، وشدد على ضرورة تعويد النفس على احترام إشارات المرور وعدم العبث بها، وتحميل من يتجاوزها عمداً حين لا يرى أحداً عند الإشارة المقابلة جميع الأخطاء والأضرار ليعرف الناس الحدود.
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :(لا تخفى حرمة قطع إشارة المرور للأضرار المذكورة وكل واحد منها يقتضي الحرمة لو انفرد فكيف إذا اجتمعت إضافة إلى أن هذا العمل يجرئ الآخرين على تعريض الناس للخطر وترويعهم . وتصبح إشارات المرور لا قيمة لها نسأل الله أن يوفق الجميع للصواب).
وبسبب السرعة الزائدة والتفحيط وعدم الالتزام بالإشارات الضوئية وأنظمة المرور ، ازدادت الحوادث المروية في المملكة خلال عشر سنوات بنسبة أربعمائة بالمائة .. وخلال ثلاث وعشرين سنة بلغ عدد المصابين في حوادث المرور بالمملكة أكثرَ من نصف مليون مصاب توفي منهم ستون ألفَ إنسان.
وأوضح التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية للعام 2011م أن هنالك 1.3مليون شخص يلقون حتفهم سنويا نتيجة حوادث المرور، ومن المتوقع أن تودي حوادث المرور بحياة نحو 1.9 مليون نسمة سنوياً بحلول عام 2020م إذا لم تُتخذ أيّة إجراءات للحيلولة دون ذلك. وعلى الصعيد المحلي أكد مدير الإدارة العامة للمرور اللواء سليمان العجلان أن عدد الحوادث المرورية خلال العام الماضي 2011م بلغت (544.179) ألف حادث بمعدل (1537)حادث يوميا، مشيراً إلى أن عدد المصابين في نفس العام بلغ أكثر من 39000 ألف مصاب و 7153 حالة وفاة ، بمعدل 20 حالة وفاة يوميا منها 13 حالة وفاة يومياً من الشباب، حيث يمثلون 75 بالمائة من الوفيات، ومن خلال الإحصائيات تبين أن يوم السبت هو أكثر أيام الأسبوع ارتفاعاً في نسبة الحوادث المرورية وأقلها يوم الجمعة، والنسبة الأعلى من الوفيات تكون خارج المدن بنسبة 60 بالمائة و 40 بالمائة داخل المدن . وتؤكد التقارير أن هنالك عشرات الآلاف يصابون بشلل كلي أو نصفي أو حالات عجز متنوعة.
لا شك أن هذه الأرقام تبعث على الأسى وتوجب السعي الدؤوب لوضع الحلول الناجعة للحد من الخسائر المفجعة بسبب الحوادث المرورية . وكثير من الناس لم يسمعوا بهذه الأرقام ، ولو أن القنوات الرسمية وغير الرسمية ذكرت في شريط الأخبار المتحرك على شاشاتها عدد من يقتلون كل يوم بسبب الحوادث لساعد ذلك في إبراز حجم المشكلة وخطورتها ، ولتفاعل الناس معها بنفس القدر الذي يدفعهم للتفاعل عند قراءة عدد القتلى الذين يسقطون يومياً في سوريا أو العراق أو اليمن ، بل سيكون تفاعلهم أكبر لأن من يقتل في سوريا أو العراق نرجو له الشهادة فهو إما مجاهد في وجه سلطان جائر أو مظلوم قتل غيلة وغدراً ، أما من يقتلون في الحوادث المرورية فهم شباب عزيز على قلوبنا قضى دون هدف أو غاية .
وبحسب دراسة سابقة في العام 2010 م تبين أن الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها دول العالم نتيجة الحوادث المرورية تصل إلى نحو (518 ) مليار دولار سنوياً على مستوى العالم، منها نحو (25) مليار دولار سنوياً على مستوى العالم العربي، أما الدول الخليجية فتبلغ الخسارة الاقتصادية نحو (19.1) مليار دولار سنوياً تمثل ما نسبته 3.7 بالمائة من إجمالي الخسائر العالمية، ونحو 76.4 بالمائة من الخسائر الاقتصادية للدول العربية، أما المملكة العربية السعودية فتبلغ الخسائر الاقتصادية نحو 25.6 بالمائة من خسارة الدول العربية أي ما يقارب 7 مليار سنوياً.
وأما الآثار النفسية فإنها تتمثل في الألم والمعانات والصدمات وعدم الاستقرار النفسي ، ومما يلاحظ غياب البرامج العلاجية التي تهتم بالنواحي النفسية بعد التعافي من الإصابة البدنية ،وهي مرحلة لا تقل أهمية عن معالجة الإصابات الجسمانية.
لقد أسهمت حوادث الطرق بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى في تزايد بعض الفئات الاجتماعية التي تحتاج إلى إعانة كحالات العجز واليتم والترمل والطلاق . وإذا أمكن احتساب التكلفة الاقتصادية الهائلة بسبب الحوادث المرورية ، إلا أنه من الصعب احتساب تكلفة الأضرار الإنسانية بدقة, إذ كيف يقاس تكلفة وفاة معيل لأسرة فيها الأطفال والنساء والشيوخ ، وكيف يقاس الألم والمعاناة والحزن الذي يصيب أهل الفقيد أو المصاب نتيجة الحادث المروري, وكيف تقاس إنتاجية الفقيد فيما تبقى من عمره لو كتبت له الحياة ، خاصة لو عرفنا أن معظم من يموتون بسبب الحوادث المرورية هم شباب في مرحلة العطاء والإنتاجية.لأجل ما سبق من أضرار جاءت الفتوى بتحريم مخالفة قوانين المرور ، وأمرت بالالتزام بها .
يقول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :”لا يجوز لأي مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شان المرور لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره . والدولة _ وفقها الله _ إنما وضعت ذلك حرصاً منها على مصلحة الجميع ورفع الضرر عن المسلمين فلا يجوز لأي احد أن يخالف ذلك وللمسئولين عقوبة من فعل ذلك بما يردعه وأمثاله . (فتاوى إسلامية 4/536 ) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :”السرعة المقيدة عند الجهات المختصة الأصل أنه يجب على الإنسان أن يتقيد بها لأنها أوامر ولي الأمر وقد قال الله تعالى {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{
وأكد سماحة المفتي العام على أن كل نظام وضعه ولي الأمر هدفه منفعة الأمة وتيسير أمرها وإقامة العدل وردع الظلم وتحقيق المصالح التي جاءت بها الشريعة، مشيراً إلى وجود خلط عند البعض ممن يدعون أن هذا النظام ليس منصوصاً عليه في الكتاب والسنة ، بل يجب تربية الأبناء على احترام الأنظمة التي وضعها ولي الأمر.
وأفتى الشيخ ابن جبرين رحمه الله بحرمة مخالفة أنظمة المرور فقال :”لا تجوز مخالفة أنظمة ولوائح المرور التي وضعت لتنظيم السير ، ولتلافي الحوادث وللزجر عن المخاطر والمهاترات، وذلك مثل الإشارات التي وضعت في تقاطع الطرق ،واللافتات التي وضعت للتهدئة أو تخفيف السرعة …فعلى هذا من يعرف الهدف من وضعها ثم يخالف السير على منهجها عاصيا للدولة فيما فيه مصلحة ظاهرة ويكون متعرضا للأخطار وما وقع منه فهو أهل للجزاء والعقوبة ،وتعتبر ما تضعه الدولة على المخالفين من الغرامات ومن الجزاءات واقعا موقعه . (مجلة الدعوة 1625). وأصدر مجمع الفقه الإسلامي قراراً بوجوب الالتزام بأنظمة المرور والمنع من مخالفتها .
إن في الالتزام بقوانين المرور محافظة على النفس والعقل والمال ، وهذه من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بالحفاظ عليها. ولذا كان من القواعد المقررة في الفقه : قاعدة تقييد المباح أو تقييد الحق ، منعاً للضرر فللحاكم أو من ينوب عنه أن يقيد استعمال بعض الحقوق إذا رأى في ذلك مصلحة راجحة، والحجة في ذلك أمرُ عمر رضي الله عنه لحذيفة رضي الله عنه أن يفارق امرأته اليهودية، فكتب إليه حذيفة: أحرام هي؟ فكتب إليه عمر: (لا، ولكن أخاف أن تُواقِعوا المومسات منهن). (أحكام القرآن للجصاص 1/333) .
ما أجمل أن يستشعر سائق السيارة نعمة الله عليه إذ سخر له هذه المركبة ليقضي بها حاجاته ، ولذا شرع لمن يركب الدابة أو السيارة أن يحمد الله على هذه النعمة . عن علي بن ربيعة قال:شهدت عليا رضي الله عنه أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب؛ قال: بسم الله.فلما استوى على ظهرها؛ قال: الحمد لله. ثم قال {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون }ثم قال: الحمد لله (ثلاث مرات) . ثم قال: الله أكبر (ثلاث مرات) . ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم ضحك. فقيل: يا أمير المؤمنين! من أي شيء ضحكت؟ قال:رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله ، من أي شيء ضحكت؟ قال:” إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي؛ يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري”.رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححه الألباني.
فاستشعار السائق نعمة ربه عليه إذ منَّ عليه بهذا المركب ، يحجزه عن تعريض حياة الناس وممتلكاتهم للخطر؛ لأن ذلك من كفران النعمة، واستهتار بقيمتها .
وإذا كثر الزحام وتوقفت حركة السير فعليك أخي السائق بالرفق والتؤدة ، فإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، قال صلى الله عليه وسلم :” إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه “. رواه مسلم . وما يحدث في بعض الطرقات من تدافع وتسابق وسباب أحياناً وإطلاق أصوات الأبواق ، ليس من الرفق في شيء ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس عندما تدافعوا من عرفة إلى مزدلفة : ” يا أيها الناس! عليكم بالسكينة وللوقار؛ فإن البر ليس في إيضاع الإبل” . رواه النسائي .
واعلم أن الصيانة الدورية لمركبتك تقيك من الحوادث بإذن الله ، وتأكد من فحص الإطارات والزيوت والماء والفرامل قبل ركوب المركبة، و احرص على وجود استمارة المركبة ورخصة المرور معك دائماً.وعليك أثناء القيادة أن تلتزم بالعلامات والشواخص المرورية والخطوط الأرضية ، واللوحات الإرشادية ، والتزم بخط السير ، واستعمل الإشارة عند الانعطاف يميناً أو يساراً ، فعدم استخدام الإشارات عند تغيير الاتجاه من أسباب الحوادث المرورية، واعلم أن المسار الأيمن لك ولغيرك فلا تعطل حركة السير بوقوفك ،واحذر من التجاوز الخاطئ في المنعطفات والمنحدرات.
أفسح الطريق لسيارة الإسعاف دون تأخير ، وتعلم القيادة الوقائية ، بأن تحرص على تلافي الأفعال أو التصرفات غير المتوقعة والتي يمكن أن يقوم بها آخرون ، فعلى السائق أن يكون قادراً على تلافي الأخطار ، وهذه تتطلب الإحساس بالمسؤولية والتأني والانتباه واليقظة الدائمة ، في كل الأوقات والظروف.
ركز انتباهك أثناء القيادة ، فقد ثبت أن تشتّت الذهن يسبب حوادث عديدة ، وكثير من سائقي السيارات يقومون بأكثر من عمل أثناء القيادة ، وبسبب غياب الاحصائيات المحلية فإننا نذكر إحصائية أجريت في أمريكا نشرتها صحيفة ” نيويورك تايمز” أكدت أن تشتّت ذهن السائق هو السبب الرئيسي في 80 % من حوادث السير، و65 % من احتمالات حدوثها، خلال الثواني الثلاث التي تسبق وقوعها. ويأتي التحدّث بالهاتف الجوال على رأس قائمة العوامل المُشتتة لذهن السائق، واطر منه القيام بطلب رقم للاتصال به ، أما محاولة تناول شيء متحرك داخل السيارة، فإنه يزيد من نسبة الحوادث 9 مرات، وإمعان النظر إلى شيء في الخارج يزيدها 3.5 مرات، ووضع مساحيق التجميل 3 مرات، والعبث بشيء باليدين 3 مرات.
أعط الطريق حقه ، ولا تزعج الآخرين باستعمال البوق أو الأنوار العالية والمبهرة للبصر ، فبعض الشباب يستعملون أنوار زينون التي تصدر نوراً قوياً وعالياً يؤثر على بصر من يقود في الجهة المقابلة الأمر الذي يؤدي إلى وقوع بعض الحوادث .
اترك مسافة كافية بينك وبين المركبة التي أمامك ، ولا تقف بسيارتك على الخطوط الخاصة بعبور المشاة أو أمام المدارس، وخفف سرعتك عند اقترابك منها ، وقف في الأماكن المخصصة للوقوف أو الانتظار أمام المدرسة ، ولا تقف في الأماكن المخصصة لوقوف حافلات المدرسة ، وانتبه لنزول وصعود الأطفال من حافلة المدرسة.
اربط حزام الأمان لأنه يقيك بإذن الله من الصدمات المفاجئة ، فقد بينت إحصائية حديثة أن أكثر من مليون ضرر ناتج عن الحوادث قد تم تلافيه باستخدام حزام الأمان في السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام واحد.
فاحرص أخي السائق على ربط حزام الأمان ، حتى ولو كان المكان الذي تقصده قريباً ، حيث أثبتت إحدى الدراسات أن 70 % من الحوادث المفضية إلى الموت جاء نتيجة عدم استخدام الحزام في مسافة تبعد 25 ميلاً عن بيوت الضحايا وبسرعة تقل عن 40 ميل في الساعة ، وأنالاصطدام بسرعة 12 ميل في الساعة ربما يسبب الموت أيضاً ، كما أن الاصطدام بـ(التابلون) في حالة التوقف المفاجئ وبسرعة 30 ميلاً في الساعة يشبه تماماً السقوط من الطابق الثالث.
كُفَّ أذاك عن الطريق ، فالبعض يرمي بقايا وجبة الطعام أو أعقاب السجائر أو ما يحمله من مخلفات في وسط الشارع ، وهذا حرام لا يجوز ، فضلاً عن كونه مظهراً غير حضاري .
فحينما طلب أبو برزة رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئاً ينتفع به قال له النبي صلى الله عليه وسلم :” اعزل الأذى عن طريق المسلمين “. رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم :”بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق ، فأخَّره، فشكر الله له؛ فغفر له “. رواه مسلم.
إذا كان هذا جزاء من يكف الأذى ويزله عن طريق المسلمين ، فما بالنا بعقوبة من يرمي الأوساخ في طرقهم!!. عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” من آذى المسلمين في طرقهم؛ وجبت عليه لعنتهم “. رواه الهيثمي في المجمع وصححه الألباني.
لا تقف بسيارتك أمام باب جارك فإن ذلك يؤذيه ويضر به ، وكل تصرف يضر الآخرين ممنوع ، وإذا كان يحق لكل مواطن أن ينتفع بالطريق فإن التعسف في استعمال هذا الحق ممنوع ، لأن ذلك يؤدي إلى مناقضة قصد الشارع ، لما يترتب عليه من مفاسد وأضرار، فالحقوق لم تشرع وسائل لتحقيق مضار أو مفاسد غالبة ، ولهذا مُنع المسلم من التعريس على الطريق – والتعريس هو النزول آخر الليل – قال صلى الله عليه وسلم:”إذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام “. رواه مسلم .