للشيخ : عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
إن ما يدعو لهذه التصرفات الخاطئة هو ضعف الإيمان في قلوب هؤلاء، ضعفُ إيمانهم يدعوهم للتصرفات الخاطئة؛ لأن المسلم مَن أمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم، وهؤلاء لا يبالون في دماءٍ سفكوها، ولا أموال سرقوها؛ لا خجل ولا حياء ولا خوف من الله، فراغ دائم، قتلوا الأوقات ولم يسخروها في طاعة، ولا في السعي في طلب الزرق، وإنما جعلوا أوقاتهم مشغولة في هذه التّرّهات، سهر في الليل ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: إن لله على عباده نعماً عظيمةً لا تعد ولا تحصى، نعم كثراء فلا تحصى، (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34]، ومن هذه النعم ما منَّ الله به على عباده قديما وحديثاً من هذه المراكب التي يقطعون بها المسافات البعيدة، والأماكن الشاسعة، وهي وسائل لنقل أثقالهم، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [غافر:79-80]، وقال جلَّ وعلا: (وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) [يس:41-42]، وقال جل جلاله: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:8]، وقال جل وعلا: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ *وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس:71-73].
وإذا كان الله منَّ على عباده بما سخر لهم من بهيمة الأنعام، مع بُعدٍ في حملها وبطءٍ في سيرها، فما ظنك بما هيأ الله بهذه الوسائل الحديثة من سيارات مريحة، وطائرات، وسفن وبواخر عملاقة، ابتعدت المسافات، وتضاعف حملها للأثقال تضاعفاً كبيراً؟ فمسافات كانت تقطع في أيام أصبحت في ساعات، ووسائل تحمل تلك الأثقال، لا تستطيع مئات البغال والجمال حملها، ولكنها نعمة من نعم الله قدرها وهيأها لعباده.
أيها المسلم: هذه النعم تحتاج منا إلى شكر الله عليها، فإن الله إذا أنعم على العباد بأي نِعم طالبهم بالشكر لها، ومقابلتها بالثناء على الله: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20]، فالمسلم يشكر الله على نعمته، ويحسن استخدام هذه الوسائل، ويرعى لها آدابها المشروعة التي تجعلها عوناً له على طاعة ربه.
وإذا تدبر المسلم نصوص الكتاب والسنة رأى أن لهذه الوسائل آداباً ينبغي للمسلم أن يتأدب بها، فقبل كل شيء تقواه لله، فالمسلم مُتَّقٍ لله بكل أحواله، في استعمال نعم الله، وتعاطيه نعم الله، وهو مُتَّقٍ لله، في أحواله كلها مُتَّقٍ لله، ففي تقوى الله تفريج الهموم، وإزالة الكروب، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق:2].
ومن الآداب أيضاً التوكل على الله، والاعتماد عليه، وتفويض الأمر إليه؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: “إذا خرج العبد من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يناديه الملك: هديت، وكُفيت، ووُقيت؛ ويتنحى عنه الشيطان، ويقول الشيطان للآخر: كيف لنا برجل قد هدي وكفي ووقي؟”.
إذن، فذكرك الله عند خروجك من منزلك وركوبك سيارتك أن تقول: “بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله”، يُذهب الله عنك السوء، ويؤمنك من المخاطر، هذا بخلاف شركات التأمين، وأحاديثها الكاذبة، ووعودها المخلفة، وما تجني من أموال، وما تبخل به من عطاء؛ فتوكلك على الله، واعتمادك عليه، مع الأخذ بالأسباب الواقية، هو الخير كله.
ومن آدابها أيضا أن تصحب ذكر الله في أسفارك، فإن استلقيت على هذه المركوبة عليك أن تكثر من ذكر الله، معتمداً على الله، مفوضاً أمرك إلى الله، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا ركب راحلته في السفر قال: “اللهم أكبر! الله أكبر! الله أكبر! سبحان الذي سخر لنا هذا! وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون؛ اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضاه، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم أني أعوذ بك من وَعْثَاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل”. هكذا -صلى الله عليه وسلم- في التجاءه لربه، واعترافه بنعم الله، وسؤاله الله أن يعينه على شكر هذه النعم، والقيام بحقها.
ومن آدابها أيضاً أن تبتعد عن معاصي الله أثناء قيادة السيارة، فمن عباد الله من يستحوذ الشيطان عليه فيقود تلك السيارة وهو في حالة سُكر أو تعاطي مخدرات -نسأل الله السلامة والعافية-، فتراه في سيره كالمجنون، لا يبالي، ولا يعنيه شيء، وإنما يمشي بسرعة جنونية خارجة عن المعقول؛ لأن العقل فيه نقص وخلل بتعاطي تلك المسكرات والمخدرات -نسأل الله السلامة والعافية-، فأي جناية وقعت منه فإنه في حكم متعمدها؛ لأنه -والعياذ بالله- تعاطى تلك الوسائل الخبيثة التي تفسد العقل، وتخرجه عن إدراكه الواقع الحقيقي.
ومنها -أخي المسلم- محافظتك على طاعة الله، ففي الحديث: “مَن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله”، فصلاتك هذه صارت عونا لك على الخير، وكافية عن الشر.
ومنها -أخي المسلم- أن تكون متواضعاً لله في أثناء ركوبك لهذه الوسائل، متواضعاً لربك؛ لأنك ترى أنها نعمة من الله لك، فتكون متواضعاً لربك، شاكراً له، مثنياً عليه في ما منحك من هذه النعم العظيمة.
ومنها -أخي المسلم- الرفق في سيرك، والسير على مهل وعدم عجلة، يقول الله جل وعلا: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[الفرقان:63].
ومنها الأخذ بالأسباب الواقية، والبحث عن هذه المركوبة، وتفقدها من مرة إلى أخرى؛ حتى تأخذ بأسباب السلامة؛ فالأخذ بأسباب السلامة من أسباب الوقاية بتوفيق الله، والتزام آداب المرور وأنظمتها التي جيء بها لكي تحفظ عليك حياتك وحياة غيرك بتوفيق من الله.
أيها المسلم: إن من عباد الله من قابل نعم الله بشكرها، فاستعان بها على طاعة ربه وقضاء حاجته وأغراضه، فنعم بالخير والفضل العظيم؛ ومن عباد الله من ينحرف عن الطريق المستقيم، فلم تكن تلك الوسائل عنده ترضي الله، ولم يشكر ربه، ولم يستعن بها على طاعته، فنال الوزر والعذاب الأليم.
أخي المسلم: فمن عباد الله من استعان بها على المعاصي، ومن عباد الله من ضايق بها الناس في طرقهم، ومن عباد الله من قادها قيادة جنونية متهورة تنبئ عن قلة في العقل، وقلة في الإيمان والتقوى.
أيها الشاب المسلم: إني أحب أن أتحدث معك عن قضية ابتلي بها بعض شبابنا يمارسونها في الليل غالبا عند هدوء الناس ونومهم، فيوقظون النائم، ويزعجون الناس، ويخلون بالطريق، ويسببون حوادث لأنفسهم، وحوادث على غيرهم؛ جهلاً وغروراً، وكبرياء وطغيانا، بما يسمونه “بالتفحيط”، الذي قواعد الشرع تقتضي حرمته لما فيه من المفاسد والأضرار، وخلوه من أي منفعة، وإنما هو ضرر محض يمارسه أبناؤنا -هداهم الله-؛ عبثاً بهذه الأموال، وعرضة لها للتلف، ولأبدانهم، ولقتل نفوس غيرهم، وكل هذا ضرر عظيم.
إن هذا التفحيط الذي يمارسه بعض أبناءنا يفقدون به أرواحهم التي بها حياتهم، وحواسهم، وأطرافهم التي يتحركون بها، ثم لم يعلموا أن الله يقول: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة:195]، والله يقول (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]. وربما عرضوا لحياة غيرهم فقضوا على حياة أُناس، فمنهم من قتل، ومنهم عاش معطلة قواه؛ بأسباب هذه التصرفات الخاطئة الفاسدة.
ومنها إتلاف الأموال فإن إتلاف الأموال حرام لأن المال يجب المحافظة عليه والله يقول: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء:26-27]. إن الإنفاق في الباطل تبذير، الإنفاق في غير محله، فالإنفاق في المعصية تبذير، وصاحبه أخو للشيطان، وعونٌ للشيطان على نفسه.
ومنها يا أخواني: أن هذه الجريمة تعينه على الالتقاء بالمنحرفين في أخلاقهم وسلوكهم، من أمة انحرفت في أخلاقها وسلوكها، فما يخلص من شر إلا يقع في شر أعظم منه، إنهم يدلونه على سرقة سيارات المسلمين، فيسرقها ويُتلفها، إما أن يلقيها في أي وادٍ كان، من غير حياء ولا خجل.
إنهم يدلونه على المسكرات والمخدرات وأنواع الانحراف السلوكي والأخلاقي بأسباب العادة الرزيلة التي تمكنت في نفوسهم، فأصبحوا يبحثون عن كل وسيلة تمكنهم من هذا، وهذا -والعياذ بالله- من الجهل العظيم، والتصرف الخاطئ؛ كما أدخلوا على أسرهم من الحزن والبلاء بما أصابهم إما في أولادهم، أو فيما جنوه على الآخرين، وكم عطلوا الطريق، وضيقوا سلوك الناس، وجعلوا (الخِنَاقة) تحصل بأسباب هذا الفعل السيئ.
فلْنتَّقِ الله، ولنراقب الله في تصرفاتنا، فإننا مسلمون، يجب أن نحترم الدماء والأموال والأعراض ونصونها، طاعة لله.
أيها المسلم: إن ما يدعو لهذه التصرفات الخاطئة هو ضعف الإيمان في قلوب هؤلاء، ضعف إيمانهم يدعوهم للتصرفات الخاطئة؛ لأن المسلم من أمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم، وهؤلاء لا يبالون في دماءٍ سفكوها، ولا أموال سرقوها؛ لا خجل ولا حياء ولا خوف من الله، فراغ دائم، قتلوا الأوقات ولم يسخروها في طاعة، ولا في السعي في طلب الزرق، وإنما جعلوا أوقاتهم مشغولة في هذه التّرّهات، سهر في الليل، ونوم في النهار، وبطالة، وجهل، وأخطاء متعددة.
أيها المسلم: ومنها جلساء السوء وأصحاب الفساد الذين يحببونك في المهنة، ويرغبون فيها، ولا يبالون بأي جناية ارتكبوها.
ومنها غفلة الآباء، وقلة مراقبتهم لأبنائهم، فالواجب على الآباء جميعا ملاحظة هذا الأمر، والأخذ على يد من يمارس هذه المهن الرذيلة، وحثهم على العمل والجد والنشاط، واكتساب الأموال بالطريق المشروع.
ومنها يا أخواني: كون هذا الإنسان ليس عنده اهتمام بنفسه، ولا اهتمام بمجتمعه، فإن لا يشعر بواجب، ولا يشعر بأهمية الأمر، وهذا من الخطأ، كون هذا السائق لا يشعر بمسؤولية، ولا يحس بواجب، إنما يتصرف تصرف خاطئاً.
إن مكافحة هذه الجريمة تقع بأمور: أولها توعية شبابنا التوعية الصادقة، وتذكيرهم بحرمة الدماء والأموال، وأن الله حرم قتل النفس بغير حق، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]
ومن أسباب كف هذا الشر تعاون الآباء جميعاً والأخوة والجيران على محاربة هذه الجريمة، والأخذ على أيدي أولئك، ومنعهم من ممارسة أخطائهم السيئة؛ ومنها -أيضا- أمر يتعلق بالمسجلين والمتجمهرين الذين يصفقون لهؤلاء، ويؤيدونهم، ويضحكون لهم، ويتفرجون على جريمتهم، وكأنهم فعلوا أمراً مشروعا، أو سباقاً مشروعاً، والواقع أنه تصرف خاطئ، وجريمة نكراء تجب محاربتها والأخذ على أيدي فاعليها.
ومنها أن وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة يجب أن تسخر برامجها لمحاربة ذلك التصرف الخاطئ، ومناقشته دائما وأبداً، حتى نستطيع -بتوفيق الله- توعية شبابنا، وتزويدهم بالثقافة السليمة، والتوعية الصالحة؛ لننقذهم من هذه التصرفات الخاطئة، وعلى رجال التربية والتعليم حث الطلاب وترغيبهم في الخير وإبعادهم عن تلك الجريمة النكراء؛ لأن المجتمع متى تعاون أفراده جميعا صار -بعون الله- سبب لحصول الخير.
ومن أسبابها أيضاً أنه يجب على رجال الأمن القيام أيضا بكل المستطاع في محاصرة هذه الجريمة، والأخذ على أيدي أولئك المفسدين، وحملهم على الحق، ومنعم من هذه الممارسة الخاطئة؛ ليكون الناس على سلامة، فيسلموا في أنفسهم، ويسلم غيرهم من شرورهم، فالتعاون على الخير مطلوب منا جميعاً، والله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم فيما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى.
جاء في حديث المغيرة قال: وكان -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن إضاعة المال. إن في إضاعة المال التفحيط بهذه السيارات، والعبث بها واللعب بها، هذا كله من إضاعة المال إن هذا العبث يؤدي إلى تلف هذه السيارة وخرابها وعدم صلاحيتها بعد وتُباع بأبخس الثمن.
أيها الشاب المسلم قد يحملك على هذه الجريمة أن تقول أن واجد للمال، سيارة تتلف اليوم تأتي غداً بغيرها، الأب قادر مستطيع أن يوفر لك كلما أردت، فلو أتلفت كل يوم سيارة لاستطعت أن تأتي بغيرها، هذا يا أخي تصرف خاطئ، هذا نقص في العقل، وقلة في التفكير.
أيها الشاب المسلم: اتقِ الله في نفسك، وأحذر هذه التصرفات الخاطئة التي تقضي على نشاطك وفكرك، إنك بهذه الممارسة لا تحقق هدفا،ً ولا تقدم مقترحاً، ولا تدل على خبرة بسوق العمل، وإنما تدل على خبرة بالتهور وسوء التصرف.
أيها الشاب المسلم: إن هذه الممارسات التي يجنيها هؤلاء في ليلهم، ثم في نهارهم نوماً وكسلا وخمولا وغفلة، وغيره ينافس في الأعمال، ويشتغل نهاره في تعب وعناء وطلب للمعيشة، فإذا جاء الليل رأيته قد تأثر من تعب في نهاره فينام نوم الراحة والعافية، أولئك الذين جنوا تلك الأرباح العظيمة من العمل في الورش وغيرها واكتسبوا خيراً كثيراً؛ وهؤلاء يعيشون كسلا وخمولا، ثم ينادون بمعالجة البطالة! عالج البطالة بنفسك! لا تجعل علاجها على غيرك، علاجها بنفسك وبتصرفاتك وبما تعمله من عمل، فأنت جزء من مجتمعك، متى ما صلح الفرد صلحت الجماعة، ومتى ما عم الفساد في الأفراد -دون أن يكون من الجماعة أخذاً على أيدي السفهاء- فإن ذلك ضياع للأحوال.
فيا أيها الشاب المسلم: إياك والكسلَ والخمولَ واللعبَ بالباطل! انزل إلى ميادين العمل ونافس كما نافس غيرك، وخذ عبرة من غيرك الذين تركوا أوطانهم وأهليهم ليعملوا ويجنوا الخيرات كلها، وأنت ما بين عبث، وخمول، ونوم، وسهر، ولعب بالباطل.
أيها المسلم: طرقنا صممت على أحدث الطرق وعلى أتمها وأحسنها، ولكن سوء الاستعمال من بعض أبنائنا، وقيادة السيارات الجنونية تراها تمر كالبرق الخاطف لا يبالي بمن وراءه وأمامه وعن ما يمينه ويساره، وإنما تصرفات خاطئة، وسرعة هائلة وجنونية، لا يبالي، ثم يلقي اللوم على كذا وكذا.
لابد من النظر في أنفسنا وتصرفاتنا حتى نضمن السلامة بتوفيق من الله، فإن أخذنا بالأسباب أمر مطلوب، وقدر الله نفاذ على كل شيء؛ لكن على المسلم أن لا يكون سبباً في هلاك نفسه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل”.
فالأخذ بأسباب السلامة، والسعي في ذلك، والاستعانة بالله على ذلك، هو خير؛ وأقدار الله نافذة على العباد مهما يكن، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، لكن كون الإنسان يأخذ بالأسباب النافعة، وأسباب السلامة، ومراعاة الأنظمة المعتبرة؛ لكي يضمن بتوفيق الله سلامته وسلامة غيره، هذا هو المطلوب.
أسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح، إنه على كل شيء قدير.
……………………………………..