جريدة عمان
أنظمة المرور جزء من العبادات والتشريعات يجب غرس البعد العقدي لها – كتب- سيف الخروصي:
اكد بدر بن سالم بن حمدان العبري الواعظ الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في محاضرة له عن السلامة المرورية بنقليات القوات المسلحة بالمعبيلة امس ان المجتمعات البشرية تعاني اليوم من حرب دامية، تتمثل في الحوادث المرورية المرعبة، فزادت معدلات التثقيف، وارتفع مستوى الدورات والإحصاءات، وأصدرت الكتب والمطويات، ومع ذلك لم يؤثر شيئا في وقف هذه الحرب المستعرة، بل الوفيات في ازدياد، فضلا عن الإصابات والخسائر البشرية والمادية.
وقال: هنا نطرح هذا السؤال: لماذا لم تجد كل عوامل التثقيف – مع التشديد في العقوبات المالية – في التخفيف من هذا الموج المتلاطم من حوادث السير؟
واوضح ان السبب في ذلك يعود إلى تغييب البعد العقدي الرباني من هذه العوامل التثقيفية، فأصبحت مادية بحتة لا روح فيها، لذلك تلقاها المجتمع، خاصة في العالم النامي، على أنها ثقافة عامة يحسن التقيد بها، فكان الالتزام بها من قبل فئة محدودة من المجتمع لا غير. وبين ان آداب الطرق في الإسلام ليست ثقافة عامة فحسب؛ بل هي فريضة شرعية، شأنها كشأن الصلاة والصيام والزكاة، والطاعة فيها طاعة واجبة كطاعة الوالدين، ومخالفتها معصية موبقة كسائر المعاصي.
واشار الى ان الله تعالى في كتابه الكريم لم يفرق بين الإيمان والعمل في كثير من المواضع نحو قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وقوله: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ.
واوضح ان الجزاء يوم القيامة مرتبط بين الإيمان والعمل الصالح، وبهما يكون الثواب والعقاب، ولا شك أنّ العمل الصالح لا ينحصر في شعائر معينة؛ بل يعم ممارسات الإنسان في هذه الحياة، فبعضها بينها الله تعالى، وبعضها أجملها في كتابه وبين كيفيتها النبي عليه الصلاة والسلام، والأخرى تركها للإنسان يعمل فيها عقله، لأنّها تتجدد بتجدد الزمان والمكان، لذا كانت الطاعة تشمل الجوانب الثلاثة: طاعة الله، وطاعة الرسول، وطاعة أولي الأمر من العقلاء بما يتوافق مع طاعة الله تعالى ورسوله، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.
فإذا أنزلنا هذا إلى أنظمة السير وقواعده، نجد هذه الأنظمة منها ما بينها الله تعالى إجمالا، ووضحها الرسول الكريم، ومنها ما استجدت بتطور الآلة وطرق السير، لذا كان التقيد بالأنظمة الحديثة داخلا في طاعة الله والرسول، وكما أنّه لا يجوز أن يخالف الإنسان أمر الله والرسول؛ كذلك لا يجوز له أن يخالف هذه الأنظمة والقوانين، وإلا ارتكب معصية ومحظورا. والبعد في قوانين السير وأنظمته من المنظور القرآني ليس بعدا دنيويا تثقيفيا، بل هو بعد أخروي، فالثواب مرتبط بهذه الطاعة، كما أنّ العقاب مرتبط بها، فهي داخلة في دائرة الطاعة والمعصية.
وقال: يجب أن يغرس في الأجيال البعد العقدي لهذه الأنظمة، فهي جزء من عباداتهم وتشريعاتهم، فكما يجب أن يحافظوا على خمس صلوات في اليوم والليلة، وعلى صيام شهرهم في العام، وعلى طاعتهم لوالديهم، وعلى زيارتهم للأرحام؛ فكذلك يجب أن يحافظوا على آداب السير، ويجب أن يتقيدوا بقوانينه وأنظمته. وكما يجب أن يبتعدوا عن الدخان والخمور والكذب والفجور؛ فكذلك يجب أن يتركوا الاستهتار بهذه الأدبيات؛ لأنّ المعصية تعمهما جميعا في دائرة واحدة.
واوضح ان دائرة الطاعة والمعصية لا تنحصر في تشريعات معينة؛ بل مجالهما أوسع بكثير، يدركها العاقل اللبيب بكل سهولة ويسر.
وأكد ان البعد العقدي كفيل بأنّ يعالج هذه القضية إذا أعطي حقه من العناية والاهتمام، إعلاميا وتربويا، ولم يهمش في دائرة التثقيف والتربية، وستجد المجتمعات أثر ذلك عما قريب بإذن الله إن أدركت أهميته، واهتمت به اهتمامها بالطريق ذاته، وما يترتب عليه من أدبيات ونظم.