بسم اله الرحمن الرحيم
قيادتك عنوان شخصيتك وأخلاقك
الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة المركبات, ويسر لنا بها قضاء الحاجات, سبحانه جعل لنا الأرض ذلولا, وسلك لنا فيها فجاجاً سبلاً, أحمده حمداً أستنزل به بركات نعمه, وأدفع به بلايا نقمه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أتم مكارم الأخلاق وبيّنها, وأوضح آداب الطريق ودعا إليها ( r) وعلى آله وصحبه أجمعين, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد, فيا عباد الله:
إتقوا الله تعالى حق التقوى, و (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) وآعلموا أن من نعم الله تعالى أن جعل لنا الأرض مهداً, وجعلها لنا ذلولاً, يجول الإنسان فيها, ويتنقل بين جهاتها, يقول سبحانه: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فآمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه, وإليه النشور) وأن الطرق أمكنة عامة يمر عليها كل أحد, وسبيل للأفراد وأهل الحوائج, يسعى فيها من أجل الكسب والرزق, وينتقل على خطوطها بين الأمكنة, ومرفق مهم لا يستغنى عنه, وقد نهى النبي (r) الناس على الجلوس في الطرقات, فقالوا له: يارسول الله, ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها, فقال – عليه الصلاة والسلام – : (فإذا أبيتم إلا المجالس فآعطوا الطريق حقه) قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: (غض البصر, وكف الأذى, ورد السلام) وفي هذا تنويه بأهمية الطريق, وأن إستعماله يتطلب وجود تشريعات ينبغي للإنسان مراعاتها, وقوانين يجدر بالجميع إتباعها, وآداب ينبغي إلتزامها, فإن حقوق المجتمع أولى من حق الفرد, وما يترتب على هذا الإلتزام من صيانة للأنفس والأموال أجدر بأن يراعى, وأوجب بأن يلتزم.
أيها المسلمون:
لقد دلت تجارب الإنسان على ضرورة وجود القوانين والآداب الضابطة لإستعمال الطرق, والمنظمة لما يجري فوقها من المركبات والأرواح, وأثمرت جهود البشر على الإتفاق على كثير منها, والإسلام يعتبر العرف في فلسفته التشريعية, وكذا عادات الناس ومألوفاتهم, من غير أن تتعارض مع المقاصد الكلية للدين, ولذلك قال الرسول (r) لأصحابه: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) ليدلنا على أن جلب المصالح العامة للبشر ينبغي أن يتساوق مع تشريعات الدين, وأن حركة التشريع مستمرة مع حركة الزمان والمكان, فلا جمود يحصر عقل الإنسان عن التصدي لمشكلات عصره, كما لا تنطع في فهم نصوص الوحي وتنزيلها على الواقع, وكل ما يترتب منه صيانة للأنفس والأموال جدير بأن يراعى, وواجب بأن يبرز الإهتمام به, لئلا تنقلب وسائل النقل إلى أدوات مهلكة, وحصاد مر.
عباد الله:
لقد تطورت وسائل النقل وتعددت أشكالها, وأضحى إستعمالها إحدى الضرورات المهمة للناس, من أجل قضاء مصالحهم, والتنقل من مكان إلى آخر, مما يضطر المرء إليه أو يختاره, ولا ضير أن يأخذ الإنسان بالأحدث من أمور عصره, على أن يستعمله الإستعمال الأمثل, ويؤدي حقه كما ينبغي, فلذا كان للطريق واجبات وآداب, ينبغي لنا جميعاً معرفتها, وتدارسها فيما بيننا, سواء منها ما تعلق بالفرد نفسه, أو ما تعلق بالمركبات وما شابهها من وسائل النقل, فمن الواجبات المتعلقة بالفرد, أن يتعلم قوانين المرور العامة, ويسأل أهل الإختصاص عنها, وخاصة تلك المتعلقة بسلامة الراكب وسلامة مرتادي الطريق, فإن الجهل بتلك القوانين جزء من أسباب وقوع الحوادث المؤلمة, والإستخفاف بها وعدم المبالاة بتطبيقها بعد علمها ثمة خسائر فادحة في الأنفس والأموال, وقد أمر الله تعالى بالتبصر والعلم, وبين أن أمور الدين والدنيا تؤتى على ذلك, فمن لم يؤت بصيرة في تعرف قواعد المرور وآدابها فلا يكون مشيه في الطرقات إلا على إرتباك, وقد يتسبب جهلة في عواقب لا تحمد آثارها, ولا يسترجع فائتها, ومن الآداب المهمة المتعلقة بالفرد, الحلم والأناة, فإن الطرق مقاصد للناس كافة, على إختلاف مداركهم, وتباين طباعهم, فمنهم العجول والغضوب, ومنهم الحليم والصبور, فلا يتأتى إنضباط المرور على أكمله إلا بخلقي الحلم والأناة, فهما خصلتان حميدتان, توردان الإنسان المحامد, وتكسبانه الخير, وتلبسانه ثوب الرفعة, وتظهر آثار هذين الأدبين في خضم الإختناقات المرورية, أو حدوث بعض
الحوادث وتوقف الطريق, فينبغي هنا الصبر الجميل لا الضجر المؤذي, وينبغي التأني المحمود لا العجلة المذمومة.
أيها المسلمون:
إن الإنتباه لأخطاء الآخرين في الطريق سبب لتفادي مثلها, وعدم تكرار الوقوع فيها, ورب خطأ صغير يقود إلى حادث شنيع, ولا بد من إلتزام السرعات المحددة وعدم تجاوزها, فما وضعت تلك السرعات إلا مناسبة لحال الطريق, مراعية للظروف المحيطة به, وقد أمر الله تعالى بالوقار والسكينة, والمشي في الأرض بتؤده وتمهل, وإمتدح عبادة المؤمنين فقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) ونهى الله تعالى عن المشي في الطريق مرحاً, فقال سبحانه: (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا), وما السرعات الزائدة فوق
الحد المقدر لكل طريق إلا ضرب من العجلة المذمومة, يجب على الجميع الإبتعاد عن الإتصاف بها, ومن واجبات الطريق عدم التجاوز إلا في المكان والوقت المناسبين, فثمة علامات تدل على إمكانية التجاوز إن كان الوضع مما يسمح بذلك, وثمة علامات تدل على منع التجاوز مهما كانت الأحوال, ومراعاة ذلك مما يحفظ الأنفس ويصونها, وقد أمر الله تعالى بحفظها وعدم إلقائها في أسباب الهلاك فقال سبحانه: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وقال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
عباد الله:
من واجبات الطريق أيضاً عدم فعل أي شيء قد يصرف إنتباه السائق عن مركبته, أو يشتت عليه تركيزه ورؤيته, وتظهر الإحصاءات أن إستعمال الهاتف النقال في أثناء القيادة يزيد من أسباب الحوادث بمقدار أربع مرات, وكذا تمنع قيادة السيارة في حالات الإعياء والنعاس والتعب, وإذا كان النبي (r) قد نهى عن الصلاة لمن غلبه النوم, أفلا يكون الإمتناع عن القيادة أولى حفظاً للنفس, ودرءاً للضرر؟ فعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي (r) قال: (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد, حتى يذهب عنه النوم, فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه).
فاتقوا الله – عباد الله – في حق أنفسكم وفي حق إخوانكم, وإحذروا أخطاء الآخرين, (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
أقول قولي هذا وإستغفر الله العظيم لي ولكم, فآستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم, وآدعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
**************
الحمد لله ذي الإحسان والفضل, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له النعمة والفضل وما
هو له أهل, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الداعي لأقوم السبل, المرشد لصالح القول والعمل, صلوات الله وسلامه عليه, وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه, وسلك طريقه وعمل لحاضره والمستقبل.
أما بعد, فيا عباد الله:
إن من واجبات المرء أن يراعي ما يستعمله من منافع ووسائل, فيعلم من ذلك بمقدار ما يحسن إستغلاله, ويبلغه أحسن مقاصده, وينتفع بأفضل إمكاناته, ويعلم طرق المحافظة عليه, ويقي نفسه ومجتمعه ما يؤدي إلى الضرر والحوادث, وإن التقدم الحضاري, وتطور وسائل النقل, يستلزم منا جميعاً تعهد المنافع, ورعاية الوسائل, فإن ذلك مسلك جميل وسلوك فاضل, وقد نعت الرسول (r) من لا يراعي ذلك بالمُنبت, وهو الذي لا يراعي حق راحلته, فقال عنه: (إن المُنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى), وكذا الحال من يهمل سيارته ولا يتعهدها, وإن في وسائل النقل المعاصرة التي يستعملها الإنسان أموراً كثيرة ينبغي ملاحظتها ورعايتها, ومنها سلامة الإطارات, وفحصها بين الحين والآخر, للتأكد من صلاحيتها, وعلى الإنسان أن يتخير منها الأصلح لمركبته, ومنها صيانة المحرك, وسلامة الأجهزة المهمة الأخرى, كالإضاءات والفرامل, والتأكد من وسائل الأمن فيها, وأن يأخذ الإحتياطات الكفيلة بسلامته وسلامة من معه, وعلى عابري الطريق من المارة أن يلتزموا قواعد المرور أيضاً, فلا يعبروا الطريق إلا من الأمكنة المخصصة لذلك, ولا يتخذوا الطرق مكاناً للجلوس, ولا منطقة للعب أو الفسحة وقضاء أوقات الإجازات, وخاصة الأطفال الذين لا يعون مخاطر ذلك, ولا يدركون أضراره وتبعاته, ويجب على السائق أن يكف عن غيره الأذى, فلا يؤذيهم بسيارته, ولا يصدر منها أصواتاً تروع الآمنين, وتقض سكون الهانئين, وعليه أن يحفظ للطريق حرمته, ولا يستعمله إلا في الذي وضع من أجله, بلا ضرر ولا ضرار.
فاتقوا الله – أيها المسلمون – واجعلوا من الطرقات سبباً لكسب الصدقات والأجر عند الله, وكونوا قدوة لغيركم في القيادة الآمنة وإحترام قوانين المرور وقواعد السلامة والأمان, قياماً بحق الله تعالى, وشكراً له عن إنعامه وفضله.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين, وقائد الغر المحجلين, فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث يقول عز قائلاً عليماً: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم, وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم, في العالمين إنك حميد مجيد, وارض اللهم عن خلفائه الراشدين, وعن أزواجه أمهات المؤمنين, وعن سائر الصحابة أجمعين, وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين, وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما, واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما, ولا تدع فينا ولا معنا شقياً ولا محروما.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم إنا نسألك أن ترزق كلاً منا لساناً صادقاً ذاكرا, وقلباً منيباً, وعملاً صالحاً زاكيا, وعلماً نافعا رافعا, وإيماناً راسخاً ثابتاً, ويقيناً صادقاً خالصا, ورزقاً حلالاً طيباً واسعا, يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعز الإسلام والمسلمين, ووحد اللهم صفوفهم, وأجمع كلمتهم على الحق, وآكسر شوكة الظالمين, وآكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين. اللهم ربنا آحفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين. اللهم ربنا أسقنا من فيضك المدرار, وآجعلنا من الذاكرين لك في الليل والنهار, المستغفرين لك بالعشي والأسحار, اللهم أنزل علينا من بركات السماء وآخرج لنا من خيرات الأرض, وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وأرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة, إنك أنت الوهاب. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم آغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء مهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
عباد الله:
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلم تذكرون).