فوزي بن يونس بن حديد
شرف الإنسان أنه يحافظ على نفسه التي بين جنبيه من الآفات والعاهات، وأن يتمتع بالحياة ويستمتع بها، فهو بطبيعته يتمسك بالبقاء في هذه الحياة سالما. غير أنه في حالات معينة من الإحباط والانكسار في الدنيا تتولّد في نفسه عدم الرغبة في الحياة وقد يؤدي بنفسه هذه التي كانت يوما تتألّق وتتأنّق في الحياة الدنيا إلى الهلاك وينهي حياته بنفسه ظنا منه أنه يريحها من العناء الذي يؤرّقه ليلا نهارا.
غير أن هذه المعادلة تختلف كليا فيما لو كان هذا الإنسان مؤمنا بالله العظيم الذي خلقه فسواه وفي أحسن صورة ركّبه، تختلف في أن المسلم مطالب بالحفاظ على النفس وسلامتها من كل الأخطار، لأن الإسلام اعتبر حفظ النفس مقصدا من مقاصد الشريعة وجعل الحفاظ عليها فرضا وواجبا ومسؤولية يتحملها كل إنسان، بل هي أمانة ائتمننا الله عز وجل عليها ونحاسب على تضييعها.
ولعل الشعار الذي تبناه أسبوع المرور هذه السنة يتناسق مع الدعوة الربانية القائمة على الاستمتاع بهذه الحياة دون تهور أو اندفاع أو حماس أو طيش أو ارتياع، فحياتك أمانة في عنقك إلى يوم يبعثون، أنت محاسب على كل سلوك يخالف المنهج القويم والصراط المستقيم، وأنت مسؤول على روحك وأرواح الناس أجمعين، فلا ضرر ولا ضرار، ولا إفراط ولا تفريط.
ومن غير المقبول أن يطيش المرء ويتهوّر وبعد ذلك يتكئ على قوله تعالى:” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” لأنك بتهورك واندفاعك وعدم تقيدك بقواعد المرور والإرشادات والتعليمات تهلك نفسك وتوقعها في المصاب، فلا تنطبق بالتالي هذه الآية عليه بل إنك تقع في الإثم العظيم الذي لا يخرجك من دائرة الجحيم، خاصة إذا أُصبتَ بعاهة مستديمة فإنك تدرك لا محالة مدى السلامة الحقيقية، وتعلم أن النفس ينبغي أن نحافظ على سلامتها من أي أخطار ومن أي حوادث تقع هنا وهناك.
أما إذا التزمنا بقوانين المرور وبالتعليمات والإرشادات وأدركنا بعقولنا وتصرّفاتنا أن ما نفعله مخالف للشرع الذي يدعونا جميعا إلى اتباع الأمن والأمان في النفس والإنسان وأخذنا جميع الاحتياطات اللازمة لسلامتنا في كل المواقع وفي كل الأوقات، وحدث ما لم يكن في الحسبان حينئذ نستطيع أن نقول هذا الكلام، فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فالقضية ليست في التصرف الأهوج بل في الوعي بمدى خطورة ما نفعل على كل المستويات وفي كل الظروف.
وإذا اقتنعنا بالفكرة واستشعرنا عظمة المولى أنه يراقبنا، وسطّرنا القواعد الأساسية على جباهنا ووضعنا حدًّا لوساوس الشيطان الرجيم، وكبتنا النفس الأمّارة بالسوء فإننا سنتصرف وفق ما أراد الله سبحانه وتعالى ووفق ما يريده القانون وحسب ما يراه الشرع الذي يحرص كل الحرص في المقام الأول على أن يكون الإنسان سالما من أي خطر محدق يتسبب هو في نشوئه.
ولو تمعنا النظر وتأمّلنا في أحوالنا نحن المسلمين اليوم، وكان علينا أن نعمل وفق المنهج الرباني والمحمّدي لرأينا أنفسنا بعيدين عن هذا النهج من حيث التطبيق، فلو سار كل السائقين على درب الالتزام الصارم والحازم بقوانين المرور والإرشادات والتعليمات ما احتجنا إلى آلات تصوير تراقب حركاتنا، ولا إلى رادارات تراقب سرعتنا، ولا إلى مطبّات تقلل من التهور الذي عليه شبابنا، كل ذلك يدخل في باب السلامة ولا شيء غير السلامة، فالإنسان روح وجسد، وعليه أن يوفر كل طاقته وجهده في الحفاظ عليهما حتى لا يكون عالة على المجتمع، يتحمل تبعات ما قرّره فجأة، أو ما تصرّف فيه لنزوة.