ميمونة السليمانية
نحن في نعمة عظيمة بوجود شوارع على مستوى عالمي في سلطنة عمان حيث نشر مؤخرا أن السلطنة تعتلي مراتب ممتازة في معايير جودة الطرق.. غير أن السؤال الذي يتطلب إجابة صريحة هل كل سائقي المركبات على شوارعنا على نفس القدر من مراتب السلوك المروري؟
لاشك أن حال الشوارع وسياقة المركبات هو السفير الصامت لأي بلد ومقياس تحضرها.
فالزائر لأول مرة لأي عاصمة ملزم بأن يتعاطى مع السائق الذي سيوصله لوجهته ومن ثم سيبدأ أو رحلة على طرقات البلد يرى فيها الشعب والمارة والمركبات في نظرة أولية وهامة ومؤثرة لنظرته وانطباعه العام عن السلوك الغالب للمجتمع.
إنني مطمئنة بأن هذا الانطباع ما زال إيجابيا فلله الحمد السلوك المروري العماني راقي.. إلا أن للاستمرار في هذا الرقي وتفادي انتشار بعض السلوكيات المرفوضة السلبية أمر يستحق المناقشة.
ففي الطرق الداخلية هناك سائقين يقفون لتخليص مشوار ما عبر الوقوف في الشارع الوحيد المتاح للمرور.. وتضطر بقية السيارات بكل أدب وتفهم وصبر لانتظاره.
لا بل هناك سائقين أسوأ من ذلك حيث يوقف سائقا آخر في الشارع المقابل لمعرفة سابقة ويسترسل معه في الحديث وكأننا في عصر جاهلية الهواتف النقالة! التي من الممكن أن يستعين بها في حال فعلا اضطراره للاتصال بمن يعرفه دون إيقاف الطريق! قبل أن هذه الفئة من السائقين أسوأ لأنه من الاستهتار بمكان إيقاف الشارع على الجهتين! لأجل حديث سخيف مهما كان في نظر هذين السائقين مهما فللطريق حرمة لا يجوز التساهل والاستخفاف بها!
وحسنا فعل المشرع في سلطنة عمان حيث تستمر جهود مواكبة تطور ظروف المجتمع والسلوكيات التي تتطلب تدخلا تشريعيا للحد منها لصالح حماية المصلحة العامة للمجتمع من سلوكيات فردية تتسم بالأنانية وانعدام الشعور بالمسؤولية.
حيث صدر منذ ما يقارب العام بتاريخ ٤ أغسطس ٢٠١٦ تعديلا لقانون المرور العماني بموجب المرسوم السلطاني رقم (٢٠١٦/٣٨).
من مميزات هذا التعديل مواكبته لأحوال المرور في السلطنة حيث تقلص ولله الحمد عدد الحوادث المرورية مما يدل على نجاح الوسيلة التشريعية المطبقة علاوة على تظافر جهود المجتمع بكافة شرائحه لتوعية السائقين بإمكانية إنقاذ أرواحهم من التهور والرعونة في السياقة.
وقد استهدف التعديل التشريعي في ٢٠١٦ جملة من السلوكيات التي تمثل مخالفة لقانون المرور أوجزها تحديدا بما يلي:
توسيع تعريف “المركبة” ليشمل السيارات والشاحنات والقاطرات والمقطورات والجرارات والمعدات والدراجات واستبعد القطارات ربما لتوقع صدور تشريع آخر منفصل ينظمها كوسيلة نقل.
هذا التعريف المتوسع جاء لحماية الناس والمجتمع من الحوادث التي يتسبب فيها مثلا “القاطرة والمقطورة” بحيث يلزم مالكها بالتأكد من سلامتها على الطريق وعدم تسببها في حوادث جسيمة كالسابق وتحميل مالكها مسؤولية التأمين على الحوادث عليها وتسجيلها في الإدارة العامة للمرور.
توسيع تعريف “الطريق” بحيث يشمل كل سبيل مفتوح للسير العام للمركبات أو للمشاة أو للحيوانات.
ويشمل الطريق وأكتافها والشوارع والساحات والممرات والإنفاق والجسور التي يجوز للناس عبورها.
وهذا التعريف الموسع هام للغاية بحيث يتم حماية المجتمع من مرتكبي المخالفات والسلوكيات الممنوعة عليها وعدم هروبهم من المسؤولية بحجة أن تعريف الطريق لا يشملهم!
استحداث تعريف لمفهوم “الوقوف” وهو وجود مركبة في مكان ما لفترة زمنية محددة أو غير محددة.
ويأتي هذا الاستحداث لأهمية الفصل في مسألة الوقوف نظرا لقيام العديد من ملاك المركبات بإيقافها عشوائيا وبدون مبرر قانوني مما يتسبب في انتهاك حق الطريق.
الأمر الذي يؤكد من ذكرته في بداية المقال بأن سلوكيات الوقوف السلبية تطلبت تدخل تشريعي لمعاقبة المخالفين لتعطيلهم الطريق! علما بأن المادة ٣٣ نصت على عدم جواز نرك المركبات في الطريق مما يسبب تعريض الغير للخطر أو تعطيل حركة المرور أو عرض المركبات للبيع في الأماكن العامة.
نترقب وفق المادة ٣٢ من المرسوم المعدل ٢٠١٦ صدور اللائحة التنفيذية للمرور التي ستحدد “القواعد والآداب والعلامات المرورية وإشاراتها ”ليتلزم بها قائدي المركبات. وأود هنا التوصية بضرورة تنظيم مشاورات عامة من قبل جهاز شرطة عمان السلطانية المعنية بإصدار اللائحة التنفيذية للمرور لمشاورة المجتمع قبل إصدار هذه القواعد لتكون مشاركة المجتمع في صياغتها أقوى دافع للالتزام بها كأفراد.
استحداث عقوبة لمن يدلي للسلطات بمعلومات كاذبة أو يقدم وثائق غير صحيحة.
استحداث عقوبة لتعمد السائق عبور الأودية بشكل ينجم عنه تعريض حياته أو حياة الركاب معه أو الغير للخطر.
استحداث عقوبة للسائق الذي يمتنع عن إعطاء عينة نفس أو الاختبار الطبي للكشف عن الكحول أو المخدر أو مؤثرات عقلية أخرى.
عقوبات بالسجن والغرامة في نفس الوقت على ارتكاب حوادث تسبب في إصابات للغير تتراوح من السجن ١٠ أيام للسجن مدة ٣سنوات وهي أقصى عقوبة في هذا القانون للمتسببن في الوفاة نتيجة قيادة المركبة تحت تأثير المؤثرات العقلية أو الكحول.
كما أن العقوبات المالية المصاحبة لها تتراوح من ٥٠ إلى ٣٠٠٠ ريال في أقصاها.
هذا بالإضافة إلى اية عقوبات أشد في قوانين أخرى.
أما من أهم التحديثات على قانون المرور العماني في ٢٠١٦ فهو معاقبة مرتكب الحادث المروري بسبب الإهمال وقلة الاحتراز، وهي السبب الرئيسي في أغلب الحوادث على طرقاتنا، بالسجن لمدة لا تقل عن ٣ أشهر والغرامة ٢٠٠٠ ريال إذا نتج عن الحادث الوفاة.
وتوصيتي هنا بتشديد التبعات الإدارية على المستبب في حوادث مميتة أو تسبب في التعطيل أكثر من أسبوعين لسحب الترخيص منها لمدد زمنية كافية لردعه واستحداث خدمة المجتمع على مثل هؤلاء.
فلا يستقيم مع العدالة والمنطق أن نجد متسببا في وفاة شخص أو إصابته وبقائه على فراش المرض والألم بينما المتسبب حرا طليقا يقود المركبة بحثا عن ضحية أخرى! بلا ندم ولا رادع.
أختم مقالي اليوم بالقول بأن أساس كل مخالفة وجريمة هو تقصير أخلاقي قبل أن يكون قانونيا! لذا علينا بالتحلي بآداب الطريق والمرور فلا الوقوف على الشارع وتعطيل مصالح الناس من الأخلاق في شيء ولا حجب مركبة وهي في المواقف من الأخلاق في شيئ.. ناهيك إن كان ذلك في المساجد والمستشفيات!!
ولا التستر على مرتكب لحادث عن طريق الإدلاء بمعلومات كاذبة للتستر على مرتكب لحادث مروري من الأخلاق في شيئ!
وإن ارتكبت أيا من هذه الأفعال بادر بتصحيح خطئك سريعا ولاتكثر الجدال والمقال.
فلنحترم الطريق ونعكس أعلى درجات الأخلاق على شوارعنا فهي سفيرنا الصامت وحق للجميع.