د. رجب بن علي العويسي
مع ما تشير إليه تقارير وإحصائيات الحوادث المرورية ، تبقى أنت من تتحمل حجم ما يحصل لك، لأنك المتدخل الأول في القضية، والمتسبب الأكبر في المشكلة ، بسرعتك الجنونية، التي أضلتك عن هدفك، وانحرفت بك عن جادة الصواب، وأبعدتك عن مقصد الحق، فأصبحت في حالة غريبة، غير مدرك الإحساس ، فاقدا للشعور، متجاوزا مفهوم الإنسانية، حتى أغلقت على نفسك فرص الشعور بالحياة، وأصبحت على مقربة من الموت، وكأنك تغص سكراته، وتتجرع آلامه، لقد دخل الشيطان فكرك ، يوسوس لك، ويزيّن لك صنيع فعله، بل ويمارس نحوك دور الناصح بكلمات مريبة ظاهرها من قبله العذاب: أسرع، سابق، اضغط بقوة على الفرامل، أخرج الكربون من السيارة، وهكذا تبدأ دوامة الوسوسة تتفاعل مع عقلك، وتزين لنفسك سوء الممارسة، لتنقلك من طور الإنسانية الواعية؛ إلى حالة البهيمية المتوحشة، ذلك هو حالك، وحال الكثيرين من الشباب وهم يقودون مركباتهم، وهم لعمر الحق، قد أجرموا بحق الحياة، ولم يدركوا قيمتها، ولم يفهموا مغزى وجودهم فيها، أو اعتقدوا بأنهم قادرون على البقاء، بيد أن البقاء للأصلح، وهو الملتزم بأمر الله، السائر على نهجه، المتجاوب مع توجيهات آياته، المتعايش مع ضمير النفس الساعية لبلوغ الحق، ” ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا “( البقرة/ 195)، ” ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما” (29/ النساء)، هي إذاً حياتك أيها الشاب، لم يعد فيها مجال للتلاعب والاستهتار، أمانة بين يديك، كن لها خير منصف، من أن تلامسها أيدي الغدر والخيانة، أو تدنسها يد الحماقة والاستهتار، أو تساوم بها نزغات النفس الأمارة بالسوء، فتصرّف فيها بحكمة، وتعامل معها بروّية، لمستقبل أنت طالبه، وأمل أنت راغبه، ووعد أنت منجزه.
لم تكن قيادة المركبة غاية تنسينا المروءة، وتلبسنا كفن الموت، ولم يكن حصولك على رخصة القيادة، إيذانا بتبدل حياتك إلى الأسوأ، أو أن تتعدى ممارستك حدود المبدأ، ولن تعني قدرتك على قيادة المركبة ، خروجك من جلباب المسؤولية، أو انتزاعك قرار التحدي، فأصبحت اليوم ناضجا، من غير التزام أو مسؤولية، ولا يعني استخدامك للطريق أنك بنفسك من تمتلك حق المرور فيه، فهناك آخرون غيرك يستحقونه وأكثر، منهم الرجال والنساء ، وذوي الإعاقة، ومن يحملون نقل أطفالك، وإخوتك وأخواتك، وأهل بلدتك إلى المدارس والجامعات وغيرها. فلا تضيّع المسؤولية، فتتراقص أمامك مساحات الغرور، وتتلاشى دعوات الالتزام بقواعد السير، وأنت كما أنت، في أحلامك الغوغائية، ووصفاتك الجنونية، وأحاديثك الطائشة، كم أنت أحمق، عندما تدرك حقائق ما يحدث، في هذا الواقع المشؤوم “حوادث السير”، وأنت له مجحف، بممارساتك الرعناء، وتعاملك الفض، وقسوتك المخزية، وعقوقك لمن ضمر لك الحب، وعاش لأجلك العمر، أفق أيها الابن من غفلتك، انتبه لنفسك، كن لها خير ناصح، ولممارساتك خير ناقد، كن بصير قلبك إن لم تبصر عيناك الطريق، أنت في نعمة، عندما تعي قيمة النعمة، وتدرك حقيقة الدور الذي عليك أن تصنعه، لعالمك الجميل، تذكر كيف هي الحياة جميلة حلوة، وكيف السعادة تغمر وجودك، وأنت مستمتع بنعم الله عليك، يحبك أهلك ، ويستأنس بك أقرباؤك، ويفخر بك وطنك، كن على ثقة بأنك في وطن يحبك، يخاف عليك، جنّد من أجلك كل قدراته، فكان الحارس الأمين عليك، والعين الساهرة على ممتلكاتك، من يفرشون لك الطريق ورودا، ويرجون لك السعادة دهورا، وأنت قادم إلى أهلك، تحفك رعاية الله، لا يرجون منك جزاءً ولا شكورا ، سوى التزاما يعكس شخصيتك، وهدوءا يرسم ابتسامتك، وشعورا بمسؤوليتك يصنع منك قدوة، ويسمو بك عن مساوئ الطريق وسلبياته ومخاطره، أبعد هذا كله، ترضى الضعف، وهم يريدونك في قوة، وتنسلخ من مبادئك وقيمك، وهم يبنون فيك الهوية، وتعيش الحزن والألم والحسرة ، وهم يرجون لك السعادة، ، أين عقلك ، أين قلبك، أين حريتك، أين طموحاتك التي كنت ترسمها لأمك وأبيك وأهلك. وليكن يوم السلامة المرورية محطة مراجعة واستذكار، وإعادة الانتباه لما قصرت من عمل، فما الطريق والمركبة، إلا وسيلتك لحياة هانئة، تبني بها مستقبلك، وتحقق بها أحلامك، وتعيش خلالها حلو الحياة، فارفع من قدر نفسك، واسبغ عليها روح الأمل بالله، والثقة فيه، والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.