د. رجب بن علي العويسي
إن المتتبع للحزم التطويرية التي انتهجتها شرطة عمان السلطانية في السنوات الأخيرة، والفارق الذي صنعته السياسة الشرطية في قدرة منظومتها على التكيف مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية والفكرية بشكل اختصر الزمن وأزال اللثام عن الكثير من المفاهيم والقناعات المجتمعية المتراكمة حول العمل الشرطي ، بما انعكس على مستوى الجاهزية الشرطية ، وما حققته من تحول في المنشأة الشرطية الأمنية، كما ونوعا، من خلال منشآت شرطية ذكية متكاملة بكل المقاييس في أنظمتها وتجهيزاتها وامتلاكها وسائل وأدوات تحقيق رسالتها الوطنية ، وبيئات نموذجيه تستهدف بناء المسؤولية وترقية حس الولاء والانتماء وتعزيز روح العطاء والتجديد في منتسبي الشرطة ، على مستوى القيادات العامة بالمحافظات أو مراكز الشرطة ومراكز الخدمات ومراكز التوقيف، وعلى مستوى قيادة المهام الخاصة ووحداتها المنتشرة بالولايات؛ يضعنا أمام أنموذج وطني رائد وتجربة مثرية تعكس عظمة هذا المنجز واستحقاقات التميز الشرطي.
لقد ارتبطت عملية التطوير في المنشأة الشرطية برؤية استشرافية لمتطلبات العمل الشرطي والتوسع في الإدارات والوحدات والهياكل التنظيمية، أو على مستوى كفاءة هذه البيئات وجاهزيتها وشعور منتسبي الشرطة بواجب المحافظة عليها واستثمار مواردها والتجديد والابتكارية في أدواتها بما ينعكس على أدائهم لمسؤولياتهم ، في ظل ما صاحب هذه البيئات من اهتمام بجانب الحوافز والدوافع والتدريب والتثقيف وحضور السلوك الترويحي والمهاري وبناء المواهب، وتوفيرالصفوف الدراسية المجهزة بأحدث الوسائل وشاشات العرض التفاعلية التي تعزز أثر التدريب والتعلم وتنقل المتدربين إلى عالم الفضاءات المفتوحة والاستخدام الأمثل للتقنيات الذكية.
كما عزز حضور هذه البيئات الشرطية الأمنية الذكية من قدرة القادة والأفراد على استثمار الوقت وتجديد الفكر، وصقل المواهب، وبناء القدرات، ونشر الثقافة الشرطية الواعية بين القادة والأفراد، وبناء أطر متكاملة للتعاون والتنسيق بين مختلف الوحدات الشرطية خاصة تحت قيادة إدارية بكل محافظة( قيادة شرطة عمان السلطانية بالمحافظات)، تعزيزا للامركزية وتمكينا للصلاحيات وإضافة مسؤوليات أخرى تتطلبها سرعة الحصول على المعلومات وزيادة التنسيق والتكامل والتناغم في آليات العمل، هذا الأمر عزز من الاهتمام بالتشريعات وأنظمة العمل الشرطية بشكل يتوازى مع توفير هذه البيئات الشرطية وحضور الكادر الشرطي بفاعلية تأكيدا بأن العمل النوعي والإنجاز الذي تحقق للشرطة والتحديات التي تواجه المنظومة الأمنية وفاعلية رسالة الشرطة في تعزيز وعي المواطن وبناء الحس الأمني لديه، يستدعي تطويرا للقوانين والتشريعات واللوائح المنظمة للعمل سواء كان ذلك داخل الهياكل التنظيمية للشرطة، أو في تعاملها مع التحديات التي أفرزتها التقنية و الاتصال الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي، والتي اتجهت رؤية القيادة العامة للشرطة إلى تمكين القادة والأفراد منها، بحيث يكون انخراط المؤسسة الشرطية والقادة والأفراد بمختلف الرتب في هذه الشبكات، لتعزيز دورها في تحقيق رسالة الشرطة والاستفادة من نواتجها الايجابية في عمليات الشرطة ومهامها.
لقد انعكس ذلك كله على الكفاءة الشرطية، من خلال ربط هذه الجهود بالأمن الوظيفي لمنتسبي الشرطة سواء في الميزات الوظيفية المقدمة لهم وسرعة الترقي الوظيفي للمحققين للمعايير، أو الاستقرار النفسي في المراكز الشرطية، أو البيئات الترويحية الجمالية التي أعطت أبعادا نوعية في اهتمامها بالإنسان وحرصها على أن يكون أولوية، بما يوفر لها فرص التناغم مع طموحات القادة والأفراد واهتماماتهم وإثراء تجاربهم العلمية والعملية، وفتح المجال لهم للمنافسة والتطوير الذاتي والدراسات العليا والجامعية وغيرها ، كما انعكس على طبيعة الخدمة المعيشية اليومية في هذه المراكز من حيث تجهيزات السكنات وتوفر وسائل الراحة والاستقرار فيها ، أو من حيث برامج التغذية والتجديد والتنويع المستمر فيها.
إنّ ما تشهده عملية افتتاح مباني القيادات العامة أو المراكز والوحدات الشرطية المختلفة من تخريج أفواج من المستجدين الملتحقين بشرطة عمان السلطانية، أعطى هذه السياسة التقدير الاجتماعي لها، وضعت الشباب والكبار والأطفال أمام مشهد قد يتكرر في الشهر الواحد أكثر من مرة ، وهم يشاهدون من منصات التخريج بميادين التدريب العسكري والأمني المتواجدة في كل منشأة شرطية، وفي الشاشات الفضائية ومواقع اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، مهنية العمل الشرطي وما تحمله عزائم الخريجين من قوة وإرادة واصرار وانضباط والتزام وامتلاك للمهارات والقدرات، وتحفيز للتفوق والتميز.
وعليه فإننا نقرأ في السياسة الشرطية مسارا متفردا في تكامل حلقات الإنجاز وتناغم مفردات المنجز، واستهداف الوطن والمواطن كأولوية تدور حولها هذه الجهود، وهي بذلك تجربة وطنية تستحق الاشادة بها والاستفادة منها، إنها بذلك تصنع التميّز وتؤسس مرتكزاته وتقيّم أدواته، وإنّ يوم شرطة عمان السلطانية – الخامس من يناير- بصمة فخر لمعاني الإباء والتضحية والفداء، وما تحمله رسالة الشرطة من سلام الوطن واستقراره وسعادة الإنسان على هذه الأرض الطيبة وأمنه.