د. رجب بن علي العويسي
يكتسب هذا الموضوع أهميته من طبيعة الدور الذي يقوم به شرطي المرور ومعايشته لمواقف الحياة اليومية للأفراد، وما يستدعيه من امتلاكه ثقافة احتواء الواقع نظرا لتنوع وتعدد الخصائص العمرية والنفسية والثقافية والفكرية والمزاجية لسائق المركبة ومستخدم الطريق، والتي تتطلب جهدا استثنائيا من شرطي المرور في كيفية بناء مسارات توافقية في رصد وقراءة المواقف تنعكس على قبول الآخر للتعليمات والتقييمات والأدوات التي يستخدمها والمخولة إليه من قبل السلطة المرورية، لتقرأ نتائجها التزاما يمشي على الأرض.
فالمرور مسألة إنسانية أخلاقية يستشعرها الجميع نحو نفسه والآخر وعقد اتفاق ضميري يحدد مساحات التعاطي وحدوده واولوياته من قبل كل الأطراف، وبالتالي فإن ضبط المسألة الإنسانية بحاجة إلى ثقافة منتجة وأسلوب راق ومنهج استراتيجي ورؤية ترسم الطريق وتوجه الأداء وتقلل مشاعر الخوف والرهبة او الكراهية والحقد وتبرز الوجه الحسن في هدف الضبطية المرورية، على أنها تحمل في ذاتها معاني سامية تستهدف حماية الانسان وتقدير كرامته وترقية مشاعره المرورية وابعاده عن كل حالات التوتر والقلق.
لقد شكلت الخصائص النفسية والفكرية والمزاجية للسائق ومستخدم الطريق، أكثر الحالات المؤثرة على السلوك المروي وضبط هذه المتغيرات وتقنينها يحتاج إلى امتلاك شرطي المرور ثقافة مهنية مرورية مبتكرة متجددة منتجة من حيث أساليب الاقناع واحتواء المواقف وحسن التوجيه للسلوك القادم وبناء ضمير داخلي لدى مستخدم الطريق يستشعر فيه بجانب التقدير والاحترام في التعامل، نواتج ذلك على سلوكه وإعادة هندسة عملياته الداخلية وممارساته وعاداته المرورية، وبالتالي فهي ثقافة مسؤولة تلتزم الابتكارية وتتعايش مع مضمون التشريع المروري نفسه المتمثل في قانون المرور الذي هو أداة بيد شرطي المرور عليه أن يتفاعل معه بمهنية ويتعامل مع مواده بوعي ويدرك مسؤوليته في نقل صورة المنجز المروري الراقي من أن تشوّهه يد الممارسات البسيطة والمواقف المتشددة، تقرأ فيها مساحات أكبر للاحتواء والتأثير وصناعة التجديد وقراءة التوقعات والتعاطي مع الاستجابات القسرية وخلق سلوك جديد يجد فيه مستخدم الطريق فرصته لتغيير العادات أو الممارسات المرورية في قادم الوقت، بحيث تعكس في مبادئها ومنهجها واسلوبها وذوقها ورصانة خطابها وطريقتها في الغوص في نفسية مستخدم الطريق وحضور فرص الثقة في الخطاب وأساليب التعبير ونقل أثر التوجيه؛ مرحلة جديدة ينبغي أن يعيشها شرطي المرور ويتكيف معها عبر مسارات التدريب والتأهيل وصقل الخبرات وإعادة بناء شخصية شرطي المرور، والتي أعتقد بأن القيادة العامة للشرطة ممثلة في معالي الفريق المفتش العام تعمل باستمرار على حضورها في منتسبي جهاز الشرطة في مختلف المواقع والمسؤوليات، وهو ما لمسناه بشكل ملحوظ وشاهدناه وسمعناه منه شخصيا في لقاءاته مع القيادات والضباط والأفراد، فكانت لنا خير دليل على سمو الهدف ودقة التوجيه وتأكيد القيادة على مساحات المرونة والمهنية والواقعية وقوة الشخصية الشرطية وسمو المنهج الذي ينبغي ان يمتلكه شرطي المرور، فالمعرفة والقراءة والاطلاع والاستماع والإنصات والتريث والانتظار والحزم في غير تعنت والمرونة في غير تسيب والاستماع في غير ضجيج والإنصات في ظل فهم معمق، محددات تصنع ثقافة شرطي المرور.
إنها ثقافة تفترض الإنتاجية في ظل ما تقدمه من مساحات التغيير في سلوك السائق ومستخدم الطريق وموجهات يسترشد بها في تعاطيه مع الواقع المروري، فيمتلك حدس التوقعات وأسلوب الحوار في التعامل مع المواقف المختلفة والاضطرابات النفسية وما يصاحبها من الشعور بحالة من الاندفاع وعدم الاتزان من مستخدم الطريق، إن دوره هو: كيف يحتوي هذا التباين، وكيف يغير نمط السلوك السلبي فيؤثر فيه ويغير مساره بطريقة ايجابية؟، فإن قدرة شرطي المرور على عزف لحن سيمفونية الابداع الشرطي المروري وايجاد منصات واضحة للتفاعل، يعول عليه الكثير من النتائج في تنفيذ الخارطة الوطنية للسلامة على الطريق وترجمة توجيهات القيادة العامة للشرطة في منتسبي الجهاز، فتعكس ممارسات شرطي المرور خلاله صورة ذهنية أخرى ليست تلك الصورة الذهنية المرسومة لدى السائق ومستخدم الطريق، بأن المخالفة هي الهدف فيشوه صورة المنجز المروري الذي يعيش اليوم مرحلة ذهبية كما وكيفا والذي يفتخر فيه كل من يعيش على أرض عمان الطيبة؛ بل إن المخالفة في القاموس المروري هي رسالة توعوية يراد منه حجب الممارسة المبتذلة ومنعها من الظهور، وعندما تبرز في ثقافة شرطي المرور هذه الصفة في قراءة موقف ووقت استخدام المخالفة، عندها سوف نضمن إنتاجية هذه الثقافة لما تقدمه للمجتمع من بدائل وموجهات يستشعرها مستخدم الطريق في ممارساته القادمة.
إن ما اتخذته شرطة عمان السلطانية من جهود ومتابعة جادة في إدارة هذا الملف انعكس على مستخدم الطريق نفسه وشعوره بأن عليه مسؤولية نقل هذا الحرص الشرطي إلى واقع متبادل يضمن مساحات التقاء مشتركة في تحقيق هدف السلامة المرورية، فإذا به يحمل هذا النهج استشعارا للمسؤولية الوطنية وحرصا منه على مكافأة العين الساهرة برد جميل ما صنعت وتأكيدا على مسيرة التضامن والتعاون والتكاتف في تحقيق هذا الهدف الوطني.
لذلك كان علينا أن نقرأ الاستحقاق المروري بعد أن مكنا حضوره في المجتمع، في ثقافة شرطي المرور نفسه، وإعادة مفهوم الضبطية المرورية في التعامل مع المواقف بشكل يضمن تحقيق الانتاجية المرورية المنعكسة على استخدام الطريق، إننا نطمح إلى تناغم في تشخيص الحالة وتقدير طبيعة المواقف وقراءة مفهوم الهاجس المروري بالشكل الذي يضمن احتواءً أكبر للممارسة الايجابية وجمع الناس على كلمة سواء ” نعم للحد من الحوادث المرورية”، فلنبني الثقة في المواطن مستخدم الطريق ونمنحه فرص التعبير عن رأيه ونتيح له المجال ليتأسف ويعتذر خاصة في المواقف الممكنة والتي تُقبل فيها الأعذار ويُسمح فيها بالخطأ.
إنّنا في عمان نقرأ في شرطي المرور مثالا وأنموذجًا للأخ الناصح المخلص ممن يسهرون على هذه الأرض الطيبة فيحملون في إنسانيتهم همومنا ويتجاوزون عن أخطائنا ويقبلون اعتذارنا ويأخذون بأيدينا فكان لهم في القلب حظوة وفي النفس تقديرا وإجلالا فنفتخر بهم ونفاخر فيهم لأنهم صنعوا في أنفسنا مشترك حب عمان الذي لا يختلف عليه اثنان، أفلا نستحق جزءا من رد هذا الاعتبار؟.