تشكل حوادث المرور إحدى أكبر المشاكل التي تعاني منها دول العالم كافة، ودولنا العربية خاصة، نظرا للأثمان الغالية التي ندفعها من حياة أبنائنا ومن حجم ثرواتنا، بسبب ما تخلفه تلك الحوادث من فواجع بشرية، وخسائر مالية ومادية.
ويمثل أسبوع المرور العربي الذي تحتفي به الأمانة العامة مع الدول الأعضاء خلال الفترة من 4 وحتى 10 مايو من كل عام، مناسبة هامة للتذكير بما تتعرض له البشرية من مآس نتيجة حوادث المرور، حيث بات واضحا أنه بخلاف الأوبئة والحروب المدمرة التي تحصد ملايين الضحايا، فإن هذه المشكلة الكبرى تعتبر من أكثر الفواجع إيلاما في العصر الحاضر.
ويأتي الاحتفال بهذا الأسبوع لهذا العام تحت شعار “الطريق الآمن مسؤولية مجتمعية”، بهدف توعية المواطنين -مترجلين كانوا أو راكبين- بأهمية الالتزام بإجراءات الوقاية والحماية والسلامة من حوادث الطرقات، والتأكيد على ضرورة التقيد بالأنظمة والقواعد المرورية والشعور بالمسؤولية المشتركة، علاوة على بث رسائل توعوية لتنمية روح المسؤولية، وأهمية التعاون مع رجال المرور بهدف تحقيق أقصى مستويات السلامة للسائقين والركاب وللمارة.
لقد بينت إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن حوادث السير تتسبب سنويا في مقتل أكثر من (1.35) مليون شخص، وتلحق إصابات بليغة بعدد يتراوح من (20 إلى 50) مليون شخص آخرين، وأن نصف الأشخاص الذين يتوفون على طرق العالم يكونون من المشاة ومن راكبي الدراجات الهوائية والنارية.
ولا زالت أخطاء العنصر البشري تمثل السبب الرئيسي لحوادث المرور المسجلة في الدول العربية، إذ تشير النشرة الإحصائية السنوية لحوادث المرور الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، إلى أن نسبة (95.92%) من الحوادث التي سجلت في المنطقة العربية كانت بسبب تلك الأخطاء، وهو معطى يشكل كارثة لمجتمعاتنا العربية التي هي في أمس الحاجة إلى جهود أبنائها بقدر ما هي في حاجة إلى الحفاظ على كافة إمكانياتها وثرواتها.
وانطلاقا من المسؤولية الكبيرة التي يحملها مجلس وزراء الداخلية العرب على صعيد توفير الأمن بمفهومه الشامل في المنطقة العربية، بما يضمن حفظ الأرواح والممتلكات، فإنه يولي موضوع السلامة المرورية ما يستحقه من اهتمام، من خلال البرامج والخطط المختلفة التي يعتمدها، بالإضافة إلى المبادئ العامة التي يرسمها، فقد حقق المجلس على مدى السنوات الماضية العديد من الانجازات على صعيد تنظيم مجالات السير، والوقاية من حوادث المرور، وعلاج الآثار التي تنجم عنها، ومن هذه الإنجازات على سبيل الذكر، الاستراتيجية العربية للسلامة المرورية، التي تضمنت جملة من المجالات والبرامج على صعيد السياسة الوطنية، والتعاون العربي والدولي، والتي يتم تنفيذها وفق خطط مرحلية كانت آخرها الخطة المرحلية السادسة التي اعتمدها المجلس في دورته الخامسة والثلاثين المنعقدة بالجزائر في العام 2018م، تحقيقا لهذا الهدف، واستمرارا للعمل على تعزيز إحساس المواطن العربي بمسؤوليته المشتركة في تحقيق السلامة المرورية، ولتطوير التعاون العربي مع الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية المتدخلة في مجال المرور، كما يمثل المؤتمر العربي الدوري لرؤساء أجهزة المرور الذي سيعقد خلال هذا العام في دورته الثامنة عشرة في نطاق الأمانة العامة للمجلس مناسبة هامة لعرض احتفالات الدول العربية بأسبوع المرور العربي وتجاربها في تنظيم حركة المرور والحد من حوادث الطرقات، إضافة إلى عرض خطة عربية نموذجية لتخفيض تلك الحوادث خاصة منها المتعلقة بسائقي الدراجات النارية، كما سيمثل هذا المؤتمر فرصة لعرض تجارب الدول العربية الفضلى في مجال استخدام شبكات التواصل الاجتماعي للتوعية بالسلامة المرورية، وذلك نظرا للمكانة التي أصبحت تحتلها هذه الشبكات في حياة المواطن العربي ولسهولة استخدامها لنشر ثقافة استعمال الطريق بشكل آمن.
ولا شك أن الاحتفال بمناسبة أسبوع المرور العربي يمثل مناسبة هامة لتثمين الأدوار العملية والجهود الفعلية التي تبذلها أجهزة المرور في الدول العربية خلال فترة الجائحة الوبائية التي طالت بلداننا العربية، أو ما عرف ب” فيروس كورونا المستجد”، إذ يمكن في هذا الإطار إبراز الأدوار التي تلعبها هذه الأجهزة، بالتعاون مع مختلف أجهزة إنفاذ القانون، في عمليات تنظيم ومتابعة تحركات المواطنين أثناء فترات حظر التجول بما يضمن الحماية اللازمة لهم، والحفاظ على سلامتهم، والحد من الآثار والتبعات الناجمة عن هذا الوباء، وذلك عبر تقديم الدعم والمساندة والنصائح والإرشادات اللازمة، وكل ما من شأنه خلق وعي شامل لدى مستخدمي الطرقات بإجراءات الوقاية والسلامة والحفاظ على الأرواح والممتلكات.
ولأن حوادث المرور ليست مرتبطة بفترة دون أخرى، فإن برامج التوعية بخطورتها ينبغي أن لا تقتصر على أسبوع المرور العربي، بل يجب أن تكون الحملات والأنشطة التوعوية متواصلة طوال العام، وبنفس الرغبة والإرادة والمسؤولية حتى نتمكن من الحد أو على الأقل التخفيف من هذه الكوارث لما فيه سلامة أوطاننا ومواطنينا.
إن الطريق الآمن مسؤولية جماعية ومجتمعية يتقاسمها رجل المرور والسائق والراكب والراجل، وهذا ما يحثنا جميعا كمواطنين ومؤسسات ومنظمات حكومية وغير حكومية، على بذل المزيد من الجهود والمبادرات لتنمية الوعي بأهمية السلامة المرورية في مجتمعاتنا، حتى يشعر كل فرد أن سلوكه أثناء استعماله للطريق كفيل بأن يحفظ سلامته وسلامة غيره، بقدر ما قد يجعله عرضة للخطر على نفسه وأهله وماله وعلى المحيطين به. فلنتحل جميعا بالمسؤولية أثناء استعمالنا للطريق.